عام الحسم

03:20 صباحا
قراءة 3 دقائق
أحمد مصطفى

بنهاية كل عام تكثر التعليقات والتحليلات التي تلخص العام المنصرم وتتوقع للعام الجديد. وكل الأعوام نعتبرها، في هذه المناسبة، «مهمة» و«مفصلية» إلى آخر التعبيرات الكلاسيكية. لكن هذا العام يمثل نهاية العقد الثاني، والقادم بداية العقد الثالث من الألفية الثالثة فهل يعني ذلك شيئاً؟ ربما، ليس تخرصاً بالغيب وإنما بإعمال العقل ومنطق المقدمات التي تؤدي إلى نتائج محتملة حسب ما ندركه من أوضاعنا.
شهد العام الذي نودعه تغيرات قد لا تبدو «مصيرية» لكنها على ما يبدو بداية تحولات لا رجعة عنها في العلاقات الدولية. ربما كان أبرزها هي «ظاهرة ترامب» وهو تطور لا يمكن أخذه بخفة لأنه في الواقع جاء تتويجاً لسنوات سابقة من اتجاه العالم الديمقراطي الغربي نحو الخروج من أطر السياسة التقليدية وتركز نُخَبه الحاكمة في نطاق «الوسط السياسي» حتى اضمحل اليمين واليسار التقليدي ونمت هوامش متطرفة على جانبي الطيف السياسي.
وعلى مدى ثلاثة أعوام «تقبل» الأمريكيون والعالم، حكم شخص من خارج «المؤسسة» التقليدية تجاوز أسلوبه ما يطلق عليه الأكاديميون «الشعبوية» أو «التطرف اليميني». وسيكون العام القادم هو عام أدخل هذا التوجه في التيار السائد mainstream
ليطغى على التعريفات التقليدية للسياسة في مجتمعات ما يسمى «العالم المتقدم».
أما انعكاس ذلك في العلاقات الدولية؛ فقد ازداد وضوحاً في العام المنصرم، وهو استخدام العقوبات كبديل للحروب وتحفيز النزعات القومية للدفاع عن المصالح وحماية المكاسب وترك الصراعات المسلحة لبؤر تعاني ما يسمى «الصراع الممتد منخفض الوتيرة»، أي الذي لا ينتهي ولا يحدث تغييراً حاسماً. ومن المناطق المرشحة للدخول في تلك الدائرة شمال إفريقيا ومنطقة الساحل والصحراء وربما القرن الإفريقي بدرجة أقل، وكذلك المنطقة الوسطى من قارة أمريكا الجنوبية وبعض المناطق في آسيا.
سيكون العام القادم حاسماً أيضاً بالنسبة للاقتصاد العالمي، فإما ركود أو كساد بنهايته أو بداية انتعاش يعني دورة اقتصادية جديدة. صحيح أن الاقتصاد الأمريكي يبقى قاطرة الاقتصاد العالمي، لكن ما سيحدث في الصين - وإلى حد ما الهند وروسيا - سيكون الأهم في هذا الحسم بالنسبة للاقتصاد العالمي.
هذا عالمياً، أما إقليمياً فتظل منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الأكثر تأثراً بالتغيرات التي تجري في العالم. وسيتعزز دورها كبوتقة اختبار لشكل العلاقات الدولية الجديد، لذا سيمتد خط الصراعات منخفضة الوتيرة من الهلال الخصيب غرباً عبر المتوسط وجنوباً ملتفاً حول منطقة الخليج حتى باكستان وإيران، لتكتمل دائرة ما يمكن وصفه بأنه «نار تحت الرماد». لا يعني ذلك رسم صورة متشائمة، فلا معنى لتفاؤل أو تشاؤم في تقدير مجريات الأمور لتتحسب لها وتضع سياساتك على هذا الأساس. فقد تكون تلك بالفعل بداية النهاية لأهم خطر يواجه هذه المنطقة وهو «خلط الدين بالسياسة»، إذ إن عام الحسم هذا قد يكون آخر اشتعال لهذا الخطر ولو في محيط أوسع حتى يبدأ في الخفوت والانطفاء.
من المتوقع أيضاً أن يكون العام القادم حاسماً بالنسبة لقضية لا تحظى بأهمية كبيرة لدى السياسيين في الدول الكبرى وهي قضية التغير المناخي. إذ مرّ العام المنصرم بخلافات تتسع بين القوى الرئيسية حول سبل الحفاظ على كوكب الأرض وضمان استدامة التنمية لسكانه. وفي ضوء عدم إنجاز الكثير مما يطالب به علماء البيئة والمناخ، ربما يشهد العام الجديد زيادة حدة الكوارث الطبيعية والخسائر والأضرار التي تسببها ما يدفع العام نحو موقف «حاسم» من قضية المناخ.
صحيح أن التطور بالنسبة للدول والأقاليم والعالم لا يتم في شهور ولا حتى أعوام قليلة، لكن هناك في الأغلب فترات قصيرة تكون حاسمة في منحى هذا التطور. وتلك العتبة ما بين العقدين قد تكون كذلك.
مطلع سبعينات القرن الماضي سخر المصريون من إطلاق الرئيس الجديد وقتها أنور السادات تلك التسمية (عام الحسم) على العام التالي لخلافته الرئيس السابق جمال عبد الناصر - أي إنهاء حالة اللاحرب واللاسلم مع العدو. وبعدها بعامين أو أكثر دخلت مصر حرب أكتوبر وانتصرت، لكن عام الحسم مر بدون حسم.
فإذا لم تأت الأيام بما ذكرت آنفاً، فسيكون لدينا في نهاية العام القادم تفسير للظروف والعوامل التي جعلته غير حاسم، وتقدير جديد لما سيكون عليه وضع منطقتنا وعالمنا بعد عام آخر.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

يشتغل في الإعلام منذ ثلاثة عقود، وعمل في الصحافة المطبوعة والإذاعة والتلفزيون والصحافة الرقمية في عدد من المؤسسات الإعلامية منها البي بي سي وتلفزيون دبي وسكاي نيوز وصحيفة الخيلج. وساهم بانتظام بمقالات وتحليلات للعديد من المنشورات باللغتين العربية والإنجليزية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"