قرار أممي بين قوسين

02:33 صباحا
قراءة 4 دقائق
فيصل جلول
قدم القرار 2334 الصادر عن مجلس الأمن الدولي ضد الاستيطان الصهيوني، بوصفه انتصاراً تاريخياً للقضية الفلسطينية، وبالغ البعض في تعظيم هوية القرار جراء ردود الفعل السلبية التي أطلقها نتنياهو ومساعدوه، والراجح أن هذا التعظيم سيستمر ليس لأنه تاريخي بالفعل، وإنما بسبب ضيق هامش المناورة لدى السلطة الفلسطينية التي راهنت طويلاً على إدارة أوباما بوصفها حمالة مشروع الدولتين، فإذا بهذا العهد ينصرم ومعه هذا القرار فقط الذي يبدو كأنه «فشة خلق»، وأبعد من أن يكون منعطفاً على طريق مشروع الدولتين.
بداية يمكن حصر أهمية ال 2334 في عدد من النقاط التي يمكن تلخيصها في البنود التالية:
أولاً: يدعو إلى وقف الاستيطان في الضفة والقدس.
ثانياً: يعتبر المستوطنات اليهودية في الأراضي المحتلة غير شرعية، وهي تضم من 300 إلى 500 ألف مستوطن، فضلاً عن حائط البراق الذي صار حائط المبكى الصهيوني، كما لاحظ بنيامين نتنياهو.
ثالثاً: يعتبر الاستيطان انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي.
رابعاً: ساهمت الولايات المتحدة للمرة الأولى منذ العام 1979 في تمرير قرار مناهض للدولة العبرية، بل هي أرادت هذا القرار، ولو لم ترده لما خرج إلى النور.
بالمقابل لا ينطوي القرار على إجراءات تنفيذية، ولا يدعو إلى فرض عقوبات على الكيان الصهيوني، الأمر الذي يجعل قيمته معنوية، ولو أردنا تعظيم إيجابياته أكثر لقلنا إنه يتيح ملاحقة المنتوجات التي تصدر عن المستوطنات بوصفها غير شرعية، ويمكن ملاحقة ساكني هذه المستوطنات، أو عسكرييها واتهامهم بانتهاك القانون الدولي. كما يمكن للسلطة الوطنية الفلسطينية أن تبني عليها انتصاراً معنوياً لطالما انتظرته، وليس بمستغرب أن يكون الرئيس محمود عباس يخاطب مؤيديه في هذه الأوقات بالقول إن ما بعد القرار 2334 ليس كما قبله، وبالتالي فهو يعطي الفلسطينيين حقاً قانونياً لطالما انتظروه.
يهمل تعظيم القرار الأممي حقيقة صارخة، وهي أن كل الإدارات الأمريكية كانت تعتبر الاستيطان غير شرعي في الأراضي المحتلة عام 1967، وكانت كل الإدارات الأمريكية ترى أن تسوية الحدود بين الفلسطينيين و«الإسرائيليين» أمر يقرره الطرفان على طاولة المفاوضات، ويهمل تعظيم القرار حقيقة صارخة أخرى وهي أن «إسرائيل» حصلت في عهد أوباما على مساعدات أمنية لم تحصل على مثلها من قبل لجهة الكم والنوع، بل ربما هو ضرب من ضروب الانتقام من رئيس الوزراء «الإسرائيلي» الذي أقفل كل مساعي البحث في حل الدولتين الذي اعتبره أوباما رهان ولايتيه الأولى والثانية.
ويهمل تعظيم القرار حقيقة أن الإدارة الأمريكية المقبلة قد تعوض الكيان الصهيوني بما يفوق الوصف، فقد وعد ترامب بتغيير سياسة بلاده تجاه الأمم المتحدة على خلفية هذا القرار، وأنه عين سفيراً لبلاده في الدولة العبرية هو الرئيس الفخري لإحدى أكبر المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة، أضف إلى ذلك أن ترامب وعد بنقل السفارة «الإسرائيلية» إلى القدس التي أعلنتها الحكومة الصهيونية في قرار شهير «عاصمة أبدية للدولة اليهودية».
وإذا كان صحيحاً أن الإدارة الأمريكية المقبلة لن تتمكن من تغيير قرار مجلس الأمن حول الاستيطان، فالصحيح أيضاً أن بوسعها أن تقفل كل أبواب تطبيقه، وأن تمنع ما يمكن أن يبنى عليه، وأن تضغط على السلطة الفلسطينية حتى لا تبادر إلى الإفادة من القرار، وبالتالي تقديم مسؤولين «إسرائيليين» أمام المحاكم الدولية. واللافت في هذا الصدد أن نتنياهو يلوح مستنداً إلى الإدارة الأمريكية القادمة، بمعاقبة الأمم المتحدة، تارة بقطع مساعدات عن منظمات أممية تمولها، وتارة أخرى بوقف التعاون، أو تجميده في مجالات تشترك فيها مع المنظمة الدولية.
اللافت في ردود الفعل الصهيونية أن «تل أبيب» تستفيد إلى حد بعيد من الضعف الشديد الذي أصاب البيئة المحيطة بها خلال السنوات الخمس الماضية، لتقدم نفسها إلى الغرب بوصفها القوة الأهم، والأبرز في الشرق الأوسط، ولعل هذا ما يفسر تسلل نتنياهو إلى الكونغرس الأمريكي وإلقاء خطاب أمامه، رغم أنف أوباما، وهذا ما يفسر أيضاً تجرؤ رئيس الوزراء الصهيوني على إلغاء مقابلات مبرمجة سلفاً مع مسؤولين في دول صوتت لمصلحة القرار 2334.
يفضي ما سبق إلى خلاصة مضمونها أن الدولة العبرية التي تضررت بالتأكيد من القرار الأممي ضد الاستيطان، تستعد ليس فقط لإبطال مفاعيله، وإنما أيضاً إلى بناء استراتيجية جديدة في التعاطي مع المسألة الفلسطينية خارج مشروع الدولتين. فهذا المشروع ولد في ظل موازين قوى إقليمية ما عادت قائمة منذ أكثر من خمس سنوات، لذا يجب ألا نستغرب قرارات «إسرائيلية» جديدة بزيادة الاستيطان ودفعه خطوات إلى الأمام.
في السياق نفسه، لا بد من التذكير بأن قرارات مجلس الأمن تعكس عموماً ميزان القوى على الأرض بين الأطراف المتصارعة، إلا أن القرار الأخير هو مع الأسف في أحد وجوهه تصفية حساب بين أوباما ونتنياهو، وهو بهذا المعنى قرار بين قوسين، وقد لا يكون له ما بعده.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"