التسوّل بـ «شياكة» و«أناقة»

03:54 صباحا
قراءة دقيقتين
نور المحمود

منطق التجارة والمتاجرة بكل شيء وأي شيء منتشر ويكاد يكون سمة العصر الحالي. وإذا قلنا أن تطور وسائل الاتصال والتواصل بين البشر يشكل عاملاً أساسياً في أسباب هذا الانتشار، يحسب البعض أننا نبالغ، أو نلقي باللوم على التكنولوجيا في كل ما يحصل وفي كل السلبيات التي نواجهها.
ليس جديداً أن يتاجر بعض الناس بأولادهم، وأن يستغلوهم لتحقيق مكاسب شخصية، فهناك من يستغل أطفاله في خلافاته الزوجية، ويجعلهم شركاء رغماً عنهم في «معركته»، ليزعج الطرف الآخر أو ليحصل منه على أكبر قدر من المكاسب و«النفقة» وغيرها.. وهناك من يستغلهم ليستدر عطف الناس، مثل الأبوين اللذين أجبرا أطفالهما، ولداً وبنتين، على ادعاء العمى والجلوس تحت أشعة الشمس لست ساعات على الأقل يومياً، من أجل «شحذ المال» من المارة في شوارع دبي.
إذاً، ما علاقة وسائل الاتصال والتواصل والتطور بهذا المشهد «المتخلف» واللاآدمي، والذي مازال يتكرر مهما تطور بنا الزمن؟ الجديد في المشهد، أن التسول صار إلكترونياً أيضاً، ناهيك عن عمليات النصب والسرقة التي تتم عبر الهواتف النقالة، والمكالمات الغريبة التي تصلنا من لندن وليفربول ومانشستر لأرقام مجهولة، كل الهدف منها إيقاع الشخص في فخ سرقة رصيده ما أن يجيب على الاتصال، أو سحب أمواله عن طريق ادعاء أنه ربح في مسابقة لا يعلم عنها شيئاً..
في التسول الإلكتروني، يصدمك أن تستغل امرأة صور أطفالها، «لتشحذ» تعاطف الناس معها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتجمع مبلغ 50 ألف دولار خلال 17 يوماً! تلك «الأم» المطلقة، ادعت عجزها عن رعاية وإعالة صغارها وتأمين مصاريفهم، فسارع أهل الخير إلى مدها بالعون، متبرعين بالأموال. وبعد اكتشاف طليقها لتلك الخديعة، أبلغ مكافحة الجرائم الإلكترونية بشرطة دبي، وتبين أن الأطفال يعيشون مع والدهم حياة كريمة، وهو من يتولى رعايتهم منذ سنوات.
بلا شك هي لا تحمل مواصفات الأمومة، ولا تستحق أن تتحمل مسؤولية أطفال. ومثلها كل أم تستغل صور صغارها إلكترونياً، سواء لكسب تعاطف الناس، أو من خلال إنشاء صفحات لهؤلاء الصغار ليصبحوا من المشاهير، ومن «المؤثرين»، وهم بعد لم يبلغوا سن النضج. كل أم توافق على أن تصير ابنتها أو ابنها من مشاهير الهوس بالمظهر وعمليات التجميل والماكياج و«الفاشنيستا»، لتتباهى وتحقق أرباحاً من خلالهم، لا تختلف أبداً عن الشحاذين الذين يحملون أطفالهم ويدورون في الشوارع يتسولون. الفارق الوحيد أن التسول في الشوارع يتطلب مظهراً غير لائق ووسخاً وعرقاً، بينما التسول الإلكتروني يتطلب مشهداً درامياً أحياناً، و«شياكة» وأناقة و«تجمُّلاً» أحياناً أخرى.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"