سيد حجاب

23:34 مساء
قراءة دقيقتين
تصبح السياسة أرقّ وأجمل وأرحب حين يلامسها الشعر. فضاءان مختلفان هما، الشعر شعر والسياسة سياسة. في الأخيرة الكثير من الغلظة، وفي الأول الكثير من الرحابة والرهافة والعذوبة. وليس صحيحاً أنهما نقيضان، أو أنهما لا يلتقيان. تجربة الراحل الكبير شاعر العامية المصرية اللامع سيد حجاب، وقبله نظراء له في مصر مثل عبدالرحمن الأبنودي وصلاح جاهين وفؤاد حداد، تؤكد أن السياسة حين يهب عليها نسيم الشعر تبلغ الأفئدة بكل جلال.
لا يقتصر الأمر على شعراء العامية الكبار وحدهم، وإنما شعراء الفصحى أيضاً. أكان الأمر في مصر أو في سواها من ديار. حسبنا هنا تذكر محمود درويش.
أما لماذا محمود درويش بالذات فلذلك صلة بحديثنا هنا طالما أنه يجري عن رحيل شاعر مثل سيد حجاب.
العالم كله يذكر الخطاب التاريخي للزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة منتصف سبعينات القرن العشرين، الذي أنهاه بالجملة الشهيرة: «لقد أتيتكم حاملاً البندقية في يد، وغصن الزيتون في يد أخرى، فلا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي»، التي يرجح أن محمود درويش بالذات هو من كتبها، لأنه كان في قوام اللجنة التي أعدت الخطاب.
سيد حجاب كان في قوام لجنة أخرى، وفي ظرف تاريخي آخر، هي «لجنة الخمسين» التي وضعت الدستور المصري الجديد، دستور ما بعد ثورتي يناير و يونيو في مصر. وإليه، مع آخرين، عهدت مهمة كتابة ديباجة هذا الدستور، وحين نقرأها نحس بروح الشاعر تتدفق في مفرداتها البليغة، التي تنتهي بالقول: «نحن المواطنات والمواطنين، نحن الشعب المصري، السيد في الوطن السيد، هذه إرادتنا، وهذا دستور ثورتنا».
وجود سيد حجاب في لجنة وضع الدستور لم يكن إلا تكريماً وتقديراً لدوره في الحياة الثقافية والسياسية في مصر، هو الذي كان لصيقاً دائماً بهموم شعبه وتوقه للغد الأجمل، تشهد على ذلك دواوينه الشعرية، وتشهد على ذلك كلمات الأغاني التي كانت في إشارات عدد من أهم المسلسلات التلفزيونية التي كتبها عباقرة الدراما المصرية مثل أسامة أنور عكاشة ومحفوظ عبد الرحمن وغيرهما.
ويحفظ الجمهور الواسع كلماته بصوت وأداء أشهر الفنانين، ومن بينهم علي الحجار وعفاف راضي وسميرة سعيد وآخرون، وكان الموسيقار بليغ حمدي بين من لحنوا كلماته، لكن أكثر أشعاره المغناة كانت من ألحان عمار الشريعي، الذي شكَّل معه ثنائياً رائعاً ستظل في ذاكرة الشعر والموسيقى والدراما في مصر والعالم العربي حية لا تموت، كونها وثيقة الارتباط بمحطات التحول التاريخي الحاسمة في تاريخ مصر، جرت معالجتها بحسٍ إنساني قريب من روح الإنسان المصري وتوقه.

د. حسن مدن
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"