نتنياهو يلعب بالنار في المسجد الأقصى

03:59 صباحا
قراءة 4 دقائق
فيصل جلول

يحاول بنيامين نتنياهو منذ يومين اللعب بالنار عبر المسجد الأقصى وذلك من خلال قرار اتخذه وزير دفاعه موشي يعلون باعتبار جماعة «المرابطون» المدنية التي تتولى حراسة المسجد الأقصى منظمة ممنوعة وبالتالي كل من ينتمي إليها سيتعرض للملاحقة والسجن. علماً أن المنتمين إليها هم من سكان القدس ومحيطها ومن بعض فلسطينيي العام 1948 المقيمين في أرضهم التاريخية تحت سلطة الدولة العبرية.

واللعب بالنار وصف لا ينطوي على مبالغة، وليس ناجماً عن حماسة ظرفية فهو حصيلة مكثفة لقراءة تاريخ الصراع العربي الصهيوني حيث يتبين أن التعرض للمسجد الأقصى يمكن أن يستدرج ردود فعل واسعة عربياً ودولياً بموازاة ردود فعل فلسطينية عنيفة. وخير دليل على ذلك انتفاضة العام 2000 حين أصر أرييل شارون زعيم اليمين الاستيطاني الصهيوني على القيام بزيارة استفزازية للمسجد الأقصى أدت إلى إشعال الانتفاضة الفلسطينية الثانية وإلى تجميد تطبيق الاتفاقات بين «إسرائيل» والفلسطينيين وانطلاق موجة مقاومة غير مسبوقة انتهت بمحاصرة ياسر عرفات في مقره في المقاطعة في رام الله واغتياله بواسطة السم كما تقول زوجته وكما يقول قاضي التحقيق الفلسطيني في القضية فضلاً عن جهات دولية وحقوقية ومخابراتية عديدة.

وإذا ما توغلنا قليلاً في فكر نتنياهو وفي التطورات الميدانية نتوصل إلى قناعة مفادها أن رئيس الوزراء الصهيوني الذي لم يتحمل مطلقاً فكرة رفع العلم الفلسطيني في الأمم المتحدة ربما أراد الرد عليها بقوة وبالتالي اللعب بالنار عبر السماح لليهود بصورة منتظمة بالمجيء إلى ساحة الأقصى في أيام معينة وممارسة الصلاة اليهودية فيها حتى إذا ما انتظمت الصلاة جرى تهويد الساحة في الأمد القريب وتهويد المسجد من بعد، علماً أن الأقصى كما ساحته يعتبر موقعاً مقدساً عند اليهود حيث يزعم رجال الدين الكبار بينهم أن المكان هو لموقع جبل الهيكل اليهودي الذي دمره الرومان في القرن الثامن الميلادي.
اللعب بنار الأقصى استدرج ردود فعل قوية من أطراف معنية وبسرعة غير معهودة تشير إلى نوع الخطر الكامن، فقد استنكر الأزهر في مصر حظر جماعة «المرابطون» وحذر الحكومة الصهيونية من مغبة التعدي على الأقصى، وأعربت الحكومة المصرية عن خشيتها من أن تكون مبادرة نتنياهو مصممة لضرب فرصة التفاوض مجدداً بين الكيان والفلسطينيين والتي تجمعت عبر ضغوط إقليمية ودولية. وأدان الأردن التعرض للمسجد الأقصى وساحاته معتبراً أنه لا يحق ل«إسرائيل» فرض أجندات زمنية ودينية على المسجد الذي يحصر القانون الدولي التدخل فيه بالمسلمين فقط ما يعني رفض الصلاة اليهودية في أرجائه.

كما اعتبر محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية أن الأقصى «خط أحمر لن يسمح لأحد بتجاوزه». ودعا الناطق باسمه نبيل أبو ردينة العالمين العربي والإسلامي والأمم المتحدة والدول الكبرى للضغط على نتنياهو حتى يعيد النظر بقرار حل «المرابطون» والامتناع عن تقسيم الأقصى زمنياً ومكانياً بين اليهود والمسلمين، ذلك أن التقسيم الزمني هو بالنسبة للفلسطينيين مقدمة للتقسيم المكاني حيث يسمح بداية لليهود بالزيارة في أوقات معينة ثم الصلاة ثم تقسيم ساحة الأقصى بين الطرفين ثم تهويده كاملاً، وبالتالي توجيه ضربة قاصمة للقدس الشرقية عاصمة الدولة الفلسطينية المنشودة ليس فقط بحرمانها من موقع المسجد الممتد على مساحة 14 هكتاراً في المدينة القديمة وإنما الأهم هو الإطاحة برمز ديني يعني ملياراً ونصف المليار مسلم في العالم ممن يتطلعون إلى الحج إلى حيث الرسول العربي عرج إلى السماء.

الواضح أن نتنياهو أراد امتحان العرب الذين يخوضون حروباً ضد بعضهم وأصابهم الضعف جراء الاحتراب وبالتالي خلقوا انطباعاً لدى خليفة أرييل شارون أن قائمة ثانية لن تقوم لهم وأن تهويد القدس يمكن أن يتم بلا ردود فعل عنيفة وبلا انتفاضة دموية كتلك التي وقعت عام 2000، وأن المسؤولين العرب ربما اكتفوا بالشجب والتذمر الشكلي وبالتالي أتاح شجبهم السيطرة على الأقصى وتحقيق انتصار رمزي هائل في المعركة الدائمة والمستمرة بين الطرفين، والراجح أن حساباته ليست مبنية على أرض صلبة بدليل أن الجامعة العربية التي تتأخر عادة بإصدار رد فعل قوي بادرت فوراً إلى إدانة التصعيد الصهيوني المستفز وإلى مطالبة المجتمع الدولي بوضع حد لغطرسة «إسرائيل» واعتدائها على أملاك الفلسطينيين.
ما من شك في أن هامش المناورة يضيق أمام رئيس الوزراء الصهيوني الذي تمر علاقاته مع الولايات المتحدة الأمريكية بفترة جليدية ويخشى المجابهة على حدوده المفتوحة مع لبنان شمالاً وغزة جنوباً في حين لا يكف الرئيس محمود عباس عن الضغط عليه عبر الانضمام إلى المنظمات الدولية ورفع علم فلسطين فوقها وتثبيت أركان دولته في كل زاوية مفتوحة.
هذه المخاوف ربما حملت الوزير الصهيوني الأول على التصعيد في باحات المسجد الأقصى وضرب عصفورين بحجر واحد، الأول هو فرض المجابهة التي يفضلها مع الفلسطينيين عبر استفزازهم ثم حملهم أو حمل بعضهم على ممارسة العنف والقول للغربيين أنا لا أقاتل وإنما أدافع عن نفسي بمواجهة الإرهاب الذي يضربني كما يضربكم، وعبر تهويد المسجد الأقصى أو أجزاء منه وبالتالي القول للصهاينة إنه حقق لهم انتصاراً رمزياً تاريخياً إذ جعل الاستيطان راسخاً أكثر من ذي قبل على أنقاض الأقصى الأمر الذي يجرد انتصارات عباس الدبلوماسية من زخمها وقوتها ويحيلها إلى انتصارات شكلية لا قيمة كبيرة لها على أرض الواقع.

في حديث أجرته معه إحدى المحطات الفرنسية قال مستوطن «إسرائيلي» في الضفة الغربية إن «إسرائيل» أشبه بقلب اصطناعي لا يمكن أن يعيش إلا إذا قبله الجسم، وإن «إسرائيل» لا يمكن أن تعيش لأن الفلسطينيين والعرب لن يقبلوا يوماً في قرارة أنفسهم ببقاء هذا الكيان وسيواصلون رفضه إلى يوم الدين.. لقد صدق المستوطن وكذب نتنياهو.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"