هنا المستقبل ..فأين الإعلام؟

23:51 مساء
قراءة 3 دقائق
كل الكاميرات والشاشات والأقلام كتبت، ونقلت الحدث، كل تلك العيون راقبت، وشاهدت، وسمعت ما قيل عن المستقبل، والتطور، والتغيير، والشباب في القمة العالمية للحكومات. لكن هل تعتبر تلك الوسائل الإعلامية نفسها معنية بالأمر، أم أنها مجرد وسيط بين من قال، ومن يتلقى؟ هل هي مجرد قناة تعبر منها المياه لتصل من المنبع إلى الناس من دون أن ترتوي؟
للأسف، 90% من وسائلنا الإعلامية العربية، خصوصاً المرئية، تردّد الكلام من دون أن تبادر إلى اتخاذ القرارات الصائبة، لتكون أول من يسبق الحاضر إلى المستقبل. القنوات في أغلبيتها صارت خارج زمننا، والمعيب أنها تستخدم «الريموت كونترول» سلاحاً تواجه به الجمهور. فكم هو مهين أن نسمع باستمرار من يدافع عن فشله، وعن سقطاته البرامجية بعبارة واحدة "الجمهور يملك الريموت كونترول، من لا يعجبه برنامجاً فليغيّر المحطة».
بعض هؤلاء يتعاملون مع التلفزيون بذهنية «الإقطاعيين»، كأنه ملك أفراد يتحكمون في الشاشة، وعلى الجمهور الطاعة. من يعترض فليذهب بعيداً، ولا شك في أنهم يقولون إنه «مدسوس» يتربص بالقناة، وأصحابها، وهو "من أعداء النجاح"، وإلا لما شاهد البرنامج واشمأز منه.
اسمحوا لنا أن نخبركم بما حدث في القمة العالمية للحكومات، حين سئل صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، عن الإعلام العربي، فقال: «بعض الإعلام العربي حرض على الثورات، لدينا 1300 محطة تكلفتها 30 مليار دولار، وبعضها محطات طائفية لبث الصراعات والفتن». حمّل وسائل إعلامية كثيرة مسؤولية الفوضى، وما يحصل من تفرقة وتحريض في المجتمعات العربية. فهل من يسمع، ويسعى إلى التغيير؟
في القمة سمعنا كلاماً كثيراً عن الطموح، والعلم، والوعي، والتغيير، وأحسسنا بضعف، وهشاشة أغلبية الشاشات العربية التي ما زالت تتعامل معنا بمنطق «الجهل». منابر «التوك شو» للكلام والسفسطة، والبرامج بعضها للترفيه عنا، ونشكر الراقي منها، وبعضها الآخر لتتْفيه العقول، وتحريك الغرائز، وتعبئة الهواء بأي شيء رخيص.
في القمة سمعنا القادة، والمسؤولين، والرواد، يتحدثون عن مشاريع انطلقت فعلياً، وهدفها الأول بناء الإنسان ليكون المستقبل أفضل، ورأينا كيف هو شكل هذا المستقبل، وأين نحن منه، وما الخطوات التي يجب تفعيلها في المجتمعات والدول كي نتطور فكرياً، واقتصادياً، واجتماعياً، وتربوياً، وحتى في البنى التحتية، وسيارات المستقبل، وحلول للزحام.. لكننا لم نر إعلامنا في أي من تلك المشاريع، لأن القنوات الخاصة محكومة بأموال ومصالح أصحابها، وهؤلاء يفكرون في الربح المادي، ويحسبون أن المشاهد زبون لا يشتري سوى البضاعة الرخيصة.
أيها المسؤولون عن القنوات العربية، الشباب هم الفئة الأكبر في العالم العربي، فماذا تقدمون لهم؟ بأي برامج تمثلونهم؟ بأي لغة تخاطبون عقولهم؟ كيف تواكبون تطوراتهم، وطموحاتهم؟ لا يكفي أن تخلقوا لهم مساحة ضيقة في برنامج «شبابي» واحد، على خريطة برامجكم المزدحمة بالسياسة و"التوك شو" الذي يستعرض فيه المذيع بطولاته الكلامية. المستقبل يحتاج إلى إعلام لا عنصرية فيه، لا طائفية، ولا طوائف، لا تحريض، ولا صراخ، لا تبجيل، ولا ادعاء بطولات.. يحتاج إلى أرقام وحقائق، إلى شاشة للشباب بكل ما، ومن فيها. أفلا تقدرون على تحقيق هذا الحلم؟ ألا تستطيع أي محطة، أو مؤسسة أن تتبنى الشباب العربي فتخصّص لهم إحدى قنواتها ليعرضوا فيها الأبحاث، والابتكارات، والترفيه غير المبتذل، والفن الجميل، والحوار البنّاء، والتقارير والأفلام الوثائقية، أو التوثيقية والقصيرة التي يصورونها بأنفسهم؟ ألا نستطيع أن نجد لهم منبراً إعلامياً مرئياً، كما خصصت لهم القمة العالمية مساحة، وورشة للقاء، والتشاور والتوصل إلى قرارات مهمة؟
هنا المستقبل واضح، مرسوم بالطموحات والأعمال، وليس بالأحلام، فأين الإعلام؟

مارلين سلوم
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتبة وناقدة سينمائية. حاصلة على إجازة في الإعلام من كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية. ساهمت في إصدار ملحق "دنيا" لجريدة الاتحاد ومن ثم توليت مسؤولية إصدار ملحق "فضائيات وفنون" لصحيفة الخليج عام 2002 فضلا عن كتابتها النقدية الاجتماعية والثقافية والفنية. وشاركت كعضو لجنة تحكيم في مهرجان العين السينمائي في دورته الأولى عام ٢٠١٩

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"