أمريكا.. انقسام داخلي أو قبلية جديدة؟

04:05 صباحا
قراءة 3 دقائق
عاطف الغمري

هناك مجموعة من الأسباب السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الولايات المتحدة التي استجدت في عهد ترامب تقوّي من شوكة الانقسامات الداخلية التي وصلت إلى حد وصفها بالقَبَليّة الجديدة
في سنوات الحرب الباردة التي بدأت مع انتهاء الحرب العالمية الثانية، وانطلاق الصراع الأمريكي- السوفييتى، ممتداً إلى بقاع العالم، كان هناك عنصر أساسي يوحد الأمريكيين معاً على اختلاف انتماءاتهم السياسية، ويوحدهم كذلك في الدعم بلا حدود للسياسة الخارجية لمختلف الإدارات والرؤساء، وهذا العنصر هو وجود عدو، تتصدى له الدولة بكل أجهزتها بل وأفرادها. حتى إنه قد عرف في تلك السنوات ما كان قد سمى بثمار السلام Peace dividene والتي تعني مطالب الحياة الاجتماعية للمواطنين والتي كفّوا عن المطالبة بها، لصالح أولوية مواجهة العدو، وما تحتاج إليه من توجيه إمكانات الدولة نحو ما تحتاج إليه هذه المواجهة. اليوم، وبعد ظهور الانقسام الداخلي سواء بين أفراد الشعب أنفسهم، أو بين النخبة من السياسيين والقيادات في الدولة، تراجع مفعول العنصر الذي كان يقوي التلاحم الداخلي، ويوحد التيارات السياسية، حتى إن أحد الساسة وهو السناتور جيف فلال انتشرت له مقولة هي «إن القبلية هي التي تقودنا اليوم».
وهذا يعني دخول الولايات المتحدة في مرحلة معاكسة لما كانت توصف به عادة وهي أنها بوتقة الانصهار، لمختلف فئات الشعب، من كل العناصر والأجناس، التي هاجرت إليها واكتسبت الجنسية الأمريكية.
وهي البوتقة التي ساعد على إضعاف هويتها تغيرات داخلية، منها صحوة عنصرية البيض، والتي اتهم دونالد ترامب بأنه أحد، إن لم يكن أهم المحرّضين على صعودها. فضلاً عن وجود مسببات أخرى للانقسام الداخلي، أبرزها تراجع المكانة المجتمعية للطبقة الوسطى البيضاء التي ظلت طوال عشرات السنين الماضية، تمثل التجمع الانتخابي القوي وراء فوز أي مرشح للرئاسة، بعد أن كانت هذه الطبقة في حالة صعود في سنوات الحرب الباردة، إلى أن تأثرت مادياً واجتماعياً، بالتراجع الذي أصابها، نتيجة ما أصبح يطلق عليه في المصطلحات السياسية الأمريكية، حالة انعدام المساواة بين الأكثر ثراء، وبين الأقل ثراء خاصة أبناء الطبقة الوسطى.
صحيح أن هناك اتفاقاً يكاد يكون عامّاً بين المختصين في الولايات المتحدة، بأن الأسباب المشار إليها هي التي تجمعت عندها الانقسامات الداخلية. لكن هناك من يرون ضرورة عدم تجاهل سبب آخر مؤثر وهو عدم الاستعداد الفكري والنفسي لدى كثيرين، لتقبل ما يقال من أن التحولات الجارية في العالم، ستنقل ميزان القوى العالمي، إلى ناحية تعددية القوى على قمة النظام الدولي، وإن من مصلحة الولايات المتحدة، أن تقبل هذا التحول، بدل أن تدخل في صدام معه، نتيجة الإصرار على أن تكون هي القوة الوحيدة المهيمنة عالمياً.
والذين يدركون نتائج هذه التحولات يقيسونها بما حدث في مناطق من العالم، من صعود قوى دولية أبرزها الصين، بما يدفع بالخريطة الاستراتيجية إلى تغيير جوهري. وهو ما أدركته الإدارات الأمريكية منذ بوش ثم أوباما، والتي حاولت البحث عن استراتيجيات جديدة للحيلولة دون إتمام وجوده بالشكل الذي تتوقعه مؤسسات اقتصادية واستراتيجية كبرى في الغرب.
بينما المعارضون لهذه النظرة، يتعللون بأن الولايات المتحدة، ما زالت تملك القوة العسكرية الأكبر في العالم، والإمكانات الاقتصادية والتكنولوجية الهائلة، وهو ما يتيح لها الإمساك في يديها بمقدرات الهيمنة في العالم. ولعل هذا المنطق يمثل سبباً آخر يضاف إلى مجموعة الأسباب التي تقوّي من شوكة الانقسامات الداخلية، والتي وصلت إلى حد وصفها بالقَبَليّة الجديدة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"