مسلسل «بايخ» عنوانه التجريب

03:46 صباحا
قراءة دقيقتين
حبيب الصايغ

الآن، بعد 48 عاماً من تجربة الإدارة والتنمية في الدولة، حان الوقت لطرح سؤال التجريب، نحو الرصد والتقنين، وكذلك البناء على البناء وتجنب معاول الهدم، وإن كان بعضها الكثير غير مقصود. الهدم هو الهدم في النهاية، ونحن مجتمع استطاع أن يثبت للعالم كله خصوصية تجربته وتفردها، لكننا ونحن نخاطب أنفسنا أو نفكر معاً بصوت عالٍ، لنا أن نجهر ببعض همسنا. في عديد أمورنا، شأن كل الدول والمجتمعات، كان في الإمكان أحسن مما كان، خصوصاً في قطاعات غلب عليها التجريب والتجريب المستمر منذ بدايات الدولة والمرجو ألا يكون حتى الآن.
حدث تجريب متواصل في شؤون متصلة بحياة المواطنين، على رأسها الصحة، وحصل في التعليم بصورة أكبر بحيث يراها كل مواطن ومقيم ومتابع بالعين المجردة، وحصل تجريب مستمر في قطاعات اقتصادية وصناعية وتنموية عامة، ولا بأس في تجريب محدود ومدروس ومطبق بوعي وبحساب. نتكلم عن التجريب باعتباره مسلسلاً طويلاً ومملاً و«بايخ»، وهنا مربط الفرس. مؤسسات عديدة ستضع يدها الآن على رأسها لتتحسس «البطحة».
عشنا تجارب مع تجريب لا يحقق أغراضاً وطنية بقدر ما يلبي هواجس واحتمالات صاحبه، والأصل أن المشاريع الكبرى تمثل المجتمعات، وإن قام بها وعليها الأفراد. هذه ليست ملكية شخصية، ولقد بدا، عبر العقود، أن البعض، للأسف الشديد، لا يفرق، من حيث يدري أو لا يدري، بين الملكيتين الخاصة والعامة.
في التعليم عانى مجتمعنا كثيراً التجارب العديدة ذات المناهل والمشارب العديدة أيضاً، بحيث يلغي كل مشروع تعليم سابقه ثم البداية من الصفر، ورأينا وزراء تعليم متعاقبين يلغي كل منهم ما بدأه سابقه تماماً، بغض النظر عن القيمة والجهد الذي بُذل والمال العام وأعصاب الناس. رأينا اتجاهات عديدة متعددة تتجذر وتتاح لها الفرص، وربما هوجمت أو مجدت من وسائل الإعلام، ثم اختفت وكأنها لم تكن. التجربة تترك أثرها بالتأكيد، سلباً أو إيجاباً أو مزجاً بين السلب والإيجاب، ثم يأتي وزير آخر فيشطبها بجرة قلم كما يقال، ليبدأ بالتنظير للتجربة الجديدة. طبعاً تأثرت حركتنا التعليمية، والتعليم مثال شاهد صارخ، فقد حدثت انقطاعات وتراجعات عدة منعت التأسيس والتراكم والبناء على البناء، ومن الظلم مقارنة حركة التعليم، خصوصاً التعليم العام، لدينا بوجوه التنمية الأخرى، لأن عمره الحقيقي، نتيجة التجريب المخل، غير عمره الزمني المحسوب بعدد السنوات والشهور.
وصلنا أخيراً إلى مشروع تطوير تعليم ننتظر نتائجه بفارغ الصبر، ونصبر عليه بناء على معرفة التجربة في كليتها وشمولها، وننظر هذه المرة إلى مشروع تطوير التعليم باعتباره مشروع دولة لا مشروع شخص يتغير عندما يتغير صاحبه. التنمية اشتغال وانشغال الأوطان والمجتمعات والمؤسسات لا الأفراد والأشخاص، من كانوا ومهما كانت قدراتهم.
هذه حقيقة ينبغي أن نتخذها شعاراً هادياً، في التعليم وسواه من قطاعات التنمية، فلا تجريب بعد اليوم إلا في الحدود التي يسمح بها العلم والأخلاق، وكل تجريب مخلّ وليس له «لازم»، مطلوب مساءلة ومحاسبة صاحبه.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"