حلم المَلكة اللغويّة

04:18 صباحا
قراءة دقيقتين
عبداللطيف الزبيدي

ما الشيء الذي على أنظمة التعليم العربية العكوف على التخطيط لبلوغه في مادة العربية؟ هذا الشيء ليس له مناهج ومقرّر دراسيّ وكتب ودروس تصاعدية. القضية ليست معمّى. الحياة مفعمة بنماذج تخرج عن السيطرة. يقولون: «إن الحياة كيمياء، ولكن الكيمياء ليست كل الحياة». في الموسيقى تستطيع تدوين أغنيات كوكب الشرق، فهل تقدر على تدوين صوت أمّ كلثوم؟
ابن خلدون، مرّ على رحيله ستة قرون، ولم يحاول أحد تحقيق حلم المؤرخ الفيلسوف بمَلكة اللغة. هذه عندما تتحقق يغدو الناطق يعرف الخطأ من الصواب، من دون إلمام بالقاعدة. أجمل مثال ما روي عن أن رجلاً أرسلوه في فجر الإسلام إلى البادية ليعلّم الأطفال القرآن الكريم. قال لصبي: قل: «تبّت يدا» فقال الصغير: تبّت يدانِ، وظل كلاهما يكرّر ما قال، فصرخ المعلّم: «تبّت يدا أبي لهب»، فقال الصبي: «تبّت يدا أبي لهب»، لأنه أدرك بالملكة اللغوية أن نون «يدان» لا تحذف إلاّ في حالة المضاف والمضاف إليه.
للّه درّ الملكة اللغوية، لو وضعتها المناهج نصب العين، لانصبّت الجهود على ما هو أكثر فائدة، ولاستقامت الألسنة بغير عصا. ألا ترى أن كتب القواعد كأنها دور «علقة وفلقة». شرسة طباع النحاة، لا يخلو كتاب من كتبهم من فعل ضرب ومشتقاته. حتى في العدد لم يجدوا غير: ضرب زيد اثني عشر رجلاً. قبضاية الحارة. لا يقولون: زرع زيد شجرة. احتضن زيد عمروا. عزف زيد رائعة. اخترع زيد مفخرة. هذا إذا كان كل ذكور المدينة زيدا وعمروا. أمّا ألاّ يكون في لغة من اللغات فعل مهمّ واحد غير ضرب، فهذه مأساة صعب علاجها.
لا شك في أن حلم الملَكة اللغوية حلمان. حلم لا يتحقق إلاّ بتحقيق حلم. الحلم الأوّل هو أن تصبح العربية الفصحى اللغة الأمّ لدى الطفل. أن يتكلّمها بطلاقة وسلاسة من دون تصنّع أنه يتكلّم لغة «أخرى». لم الخجل والفصحى فعلاً لغة أخرى يتعلمها أطفال العرب، وقلة قليلة جدّاً تحسنها نطقاً وتتقنها كتابة. أوّل فعل يتعلمه الطفل: «ذهب»، الذي لا يوجد في أيّ لهجة عربية في مئات ألوف القرى. الحلم الآخر: أن يرفض اللحن والخطأ وهو لا يعرف القاعدة.
لزوم ما يلزم: النتيجة الأحجيّة: تقول أين الحلول؟ ما هي وظيفة أنظمة التعليم إذاً؟

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"