«يوم النصر» يُذكِّر بالمسلمين الذين قاتلوا

02:41 صباحا
قراءة 3 دقائق
جوان كول*

يوم انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، أو عملية الإنزال في نورماندي، يعيد إلى الأذهان ذكرى محاربة كثير من المسلمين إلى جانب الحلفاء، ضدّ النازيين ودول المحور.
يتمثل أحد الإحباطات التي تواجه المؤرِّخ للعالَم، في الرؤية الضيقة الثابتة لشمال الأطلسي، الشائعة بين الصحفيين وحتى بين كثير من المؤرخين، وبالتالي بين العامة. ينبغي على قادة العالم الذين اجتمعوا لإحياء ذكرى يوم النصر في النورماندي الفرنسية، أن يشملوا رئيس وزراء باكستان، ورئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، والرئيس السنغالي ماكي سال، وآخرين، من البلدان التي قاتلت قواتها المحور، على التراب الأوروبي، حتى لو لم تكن جزءاً من هذا الإنزال. فهي بطرق عديدة، جعلته ممكناً من خلال مآثرها في شمال إفريقيا، وإيطاليا وجنوب فرنسا.
وقد أشار الناقد الأدبي والثقافي العظيم، إدوارد سعيد، إلى أنه على الرغم من أن بريطانيا وفرنسا وإيطاليا ودولاً أوروبية أخرى، كانت إمبراطوريات متعددة الثقافات في القرن التاسع عشر، وأوائل القرن العشرين، فإن العديد من الأكاديميين والكتّاب الرائجين يحشرونها الآن ضمن الإطار الضيق للدولة القومية. ولذلك تشعر دول ما بعد الاستعمار أحياناً بالتحسس والحرج تجاه تطوُّع الملايين من مواطنيها لخدمة إمبراطورية لم تعُد موجودة الآن.
الحرب العالمية الثانية مثال على ذلك. فقد تمّ توسيع الجيش الهندي البريطاني ليشمل 2.5 مليون رجل تحت السلاح، من خلال طلب المتطوعين. وقاتل في إيطاليا (نعم)، وإفريقيا، والشرق الأوسط، وجنوب شرق آسيا. وقُتل عشرات الألوف، وجُرح عدد مماثل، ووقعت عشرات ألوف أخرى في الأسْر. وقلّد البريطانيون 4 آلاف منهم أوسمة الشجاعة. وكانت تلك القوات تتكون من الهندوس والسيخ والمسلمين (وربما بعض البوذيين). وكان المسلمون البنجابيون والبلوش، الذين يطلق عليهم الآن اسم باكستانيين، بارزين بينهم، وكذلك كان المسلمون من الولايات الأميرية الهندية. وجنباً إلى جنب مع الوحدات البريطانية، حارب الجيش الهندي البريطاني الإيطاليين والألمان في ليبيا من مصر، وشنّ حملة في تونس.
وعندما سقط شمال إفريقيا، قاتلوا في غزو إيطاليا. عندما عشت في نيودلهي عام 1982، كان صاحب البيت الذي أقطنه عقيداً من السّيخ، لديه قصص وذكريات كثيرة عن الحملة على إيطاليا التي شارك فيها أيام شبابه. وكان من بين الذين تمّ تكريمهم في تلك الحملة الإيطالية، سيبُويْ علي حيدر، من وحدة بنادق قوة الحدود الثالثة عشرة، وذلك بسبب دوره في إتاحة عبور نهر رئيسي.
كل ذلك، فضلاً عن دور المسلمين البريطانيين مثل نور عنايت خان في الاستخبارات، والأعمال الأخرى من أجل هزيمة النازيين.
وعلى الرغم من أن قلةً من المسلمين ساندت المحور انطلاقاً من استيائها من الاستعمار الغربي، وأملها في أن يساعد نهوضُ مركزِ قوىً بديلٌ سعيَها إلى الاستقلال، فقد كانت ضئيلة في أعدادها بالمقارنة مع المسلمين الذين لم يدعموا الحلفاء وحسب (حيث فعلوا ذلك جميعاً تقريباً، لو رجعتَ إلى الوراء وقرأتَ الصحف) بل قاتلوا بنشاط من أجلهم، في ميادين المعارك. ولم يقتصر الأمر على أن عدداً قليلاً فقط من المسلمين ارتكبوا هذه الغلطة، بل إن الهندوس في الجيش الهندي البريطاني الذين تمّ أسرهم من قِبل اليابانيين، كانوا مستعدين أحياناً للانضمام إلى القوات الهندية التي دجَّنها اليابانيون والقتال ضدّ الاستعمار البريطاني.
ولكنْ، لو فكرتَ في الأمر، لعرفتَ أن معظم المسلمين سيكونون قد أدركوا أن العالم الذي تسيطر عليه النازية، لن يكون جيداً للمجموعات المصنفة على أنها أعراق أقلّ شأناً ومنحطّة.
وقد حاربت القوات السنغالية في جيش فرنسا الحرة بقيادة شارل ديجول في غزو إيطاليا وفي تحرير جنوب فرنسا. وفوجئ الضباط الألمان، الغارقون في العنصرية النازية، وغضبوا من اضطرارهم لمحاربة الأفارقة على الأرض الأوروبية. وتخيَّلْ ما أصابهم من الإحباط فوق ذلك، حيث تبيَّنَ أن القوات الإفريقية كانت في الجانب الرابح. وكان السنغاليون يُدعوْن رماة البنادق البارعين.
في الوقت الذي تحاول شبكة الحقد على المسلمين باستمرار، ربط الإسلام بالنازيين (الذين كانوا على حدِّ علمي أوروبيين ذوي تراث مسيحي)، يجدُر بنا أن نتذكر علي حيدر، ونور عنايت خان وجميع مئات الألوف الآخرين، الذين حاربوا على الجانب الصحيح من التاريخ جنباً إلى جنب مع جميع نظرائهم الهندوس والسيخ والبوذيين. إنها تُسَمّى حرباً عالمية لِسَبَب.

* أستاذ التاريخ في جامعة ميتشجان.
موقع: «إنفورْمْد كومِنْت»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"