التمكين الإخواني . . أفكاره ووسائله

05:24 صباحا
قراءة 4 دقائق

ضمن مصطلحات العمل السري للإخوان، وعند المستوى الفوقي للقيادات، يتم تداول مصطلح التمكين كهدف وغاية، يستباح أي شيء في سبيل بلوغها .

والتمكين بطبيعته ومراميه سلوك خارج عن خصائص الوطن الذي يرمون إلى الاستيلاء عليه، فقد وضعوا أيديهم وضمائرهم من البداية في يد من يستطيع تمكينهم، حتى لو كان المقابل أن يبيعوا له الشعب والوطن، مع التحفظ على أن ذلك من قبيل الخزعبلات التي تعشش في عقولهم، وليس شيئاً ممكناً، من حيث الزمن، والتاريخ، وخصائص الشخصية القومية للشعب .

كثير جداً من الدراسات والمؤلفات صدرت في الولايات المتحدة لكتاب عكفوا على التنقيب في الوثائق السرية للإدارات الأمريكية، التي كشفت عن علاقة قديمة بدأت من أول الخمسينات بين أمريكا والإخوان، محورها الأساسي مشروع التمكين، والثمن الذي يقدمونه مقابل دعمها لهم . وبدأت علاقة تصور الإخوان أنها ستحفظ في خزائن السرية، لكن فاتهم أن المعلومات في أمريكا لا حظر عليها، ويحق للباحثين الكشف عنها، إعمالاً لحكم القانون الذي يبيح الكشف عن أدق أسرار الدولة بعد مرور ثلاثين عاماً على فترة الحظر .

وقامت علاقة سعت إليها الولايات المتحدة، لاستخدامهم في خدمة مصالحها في المنطقة، وسعد بها الإخوان لأنهم وجدوا فيها الباب الذي يدخلون منه إلى مشروعهم

للتمكين، وهو الماثل في فكر الجماعة وخططها منذ بداية نشأتها .

وحسب الوثائق التي نشرها كتاب وصحفيون وضباط سابقون بالمخابرات المركزية، فإن طموحات الإخوان في التمكين لم تكن تقتصر على مصر، وإن كانت في تفكيرهم القاعدة الأساسية للانطلاق منها، إلى بقية الدول العربية . وأن طريقهم إلى ذلك هو العمل السري، بإيجاد خلايا مستترة في هذه البلاد . وأن الخطة بدأت منذ أن بعث مؤسس الجماعة حسن البنا بزوج ابنته سعيد رمضان إلى الأردن، وسوريا، ولبنان، واليمن، لإنشاء فروع للإخوان، وتحديد أدوارها ومهامها في التحرك سراً، نحو هدف التمكين .

الهدف من البداية له مخطط، تم غرسه في عقول قيادات التنظيم، الذين حرصوا على أن تكون السرية التامة، هي التزام تنظيمي، والسرية لم تكن منفصلة عن أداء وسلوك قيادات الجماعة، التي تعرف تماماً ما هي خطة التمكين، وكيف تعمل من أجلها . وضمن هذا الفهم، عرفت الجماعة التنظيم السري الجهاز الخاص الذي كان عمودها الفقري في التصفية الجسدية لمن اعتبرتهم خصومها . وكانت السرية حكراً على القيادات فقط، ومحرمة على المستويات الأدنى، التي أوهموها بأن الدعوة الدينية هي هدف الجماعة، واتصالاً بذلك كانت القيادات تردد على أسماعهم أن القادة يعلمون ما لا تعلمونه، وعليكم أن تثقوا فيهم، وهو ما ضمن للقيادات انصياع الأعضاء لهم، عملاً بمبدأ السمع والطاعة، الذي يلتزمون به، وتلبية أي أمر يصدر إليهم من دون أن يسألوا عنه .

الإخوان عرفوا من البداية أن التمكين ليس في استطاعتهم، وأن الاستيلاء على دولة بحجم مصر هو المستحيل بعينه، فكان تفكيرهم من البداية، الارتباط بقوة خارجية، تمكنهم من بلوغ هدفهم، مهما كان الثمن المطلوب منهم، بأن يكونوا في خدمة هذه القوة الخارجية .

كل هذا كتب عنه ضباط سابقون في المخابرات المركزية الأمريكية، كشفوا ما لديهم من معلومات سرية بحكم وظيفتهم، دورات المعلومات الخاصة به، في مؤلفات لكتاب وباحثين، وكانت الدولة الأمريكية تتعامل مع تنظيم الإخوان، لتنفيذ خطط تخدم السياسة الأمريكية في العالم، واستمرت العلاقة عبر عهود مختلف الرؤساء، وتصاعدت في فترة حكم جورج بوش وقراره بتنشيط العلاقة . وقد تم الترتيب لهذا التوجه بقيام المخابرات المركزية بتنظيم عقد مؤتمر في بروكسل عام ،2006 حضره ممثلون عن الإخوان، والجماعات المرتبطة بهم في أمريكا الشمالية .

وسبق ذلك إشارة لهم من كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية، عندما وقفت في مؤتمر بالجامعة الأمريكية في القاهرة عام ،2005 وأعلنت أن الولايات المتحدة لا تمانع في وصول الإسلاميين للحكم في مصر، واستمرت العلاقة - خاصة الجانب السري منها - إلى عهد أوباما، وحتى وصول محمد مرسي للحكم .

وهذا يفسر رد الفعل العصبي من إدارة أوباما تجاه ثورة 30 يونيو، وعزل محمد مرسي في 3 يوليو ،2013 وتتابع مظاهر التعاطف السياسي من إدارة أوباما مع حكم الإخوان . . وكأنهم فقدوا عزيزاً لديهم .

إن رد الفعل الأمريكي مصدره أنهم كانوا قد استثمروا في الإخوان، رصيداً سياسياً ومخابراتياً، ومالياً، لعشرات السنين، وعندما وصلوا إلى الحكم، شعرت أمريكا أن مخططات سياساتها، التي تحقق أيضاً مصالح إسرائيل، على وشك أن توضع موضع التطبيق .

وكانت صحف أمريكية قد كشفت عن كثافة الاتصالات مع مرسي فور توليه الرئاسة، والتي شهدت زيارات لوفود سياسية، وأعضاء بالكونغرس، سبقتها زيارات مماثلة إلى مكتب الإرشاد بالمقطم . ثم توالت الاتصالات من بعد تولي مرسي، وكان الإخوان حريصين على تقديم تطمينات للأمريكيين، بأنهم محافظون على العهد، بحماية المصالح الاستراتيجية الأمريكية، والالتزام بالتعاقدات مع إسرائيل وهو نفس ما كانت تقوم به وفود إخوانية، كان مرسي يبعث بها كل ثلاثة شهور إلى واشنطن لطمأنة الأمريكيين .

كانت فكرة التمكين، وأولى خطاها الجلوس على كرسي الرئاسة، قد كشفت عن انعزالهم تماماً عن مفهوم الوطن، والانتماء له، بعد أن كرسوا جهودهم للولاء لمبدأ الغاية تبرر الوسيلة، وكانت الدلائل عديدة وبلا حصر، لكن ما فعلوه في سيناء، وإعلان الحرب على الجيش المصري هناك، كان الدليل الدامغ على عمالتهم للخارج .

في نفس الوقت كانت بقية جوانب خطة التمكين تجري سراً في دول عربية أخرى . وهو ما أظهره الكشف عن خلية سرية لهم في دولة الإمارات، وإلقاء القبض على أعضائها وتقديمهم للمحاكمة، ففقدوا أعصابهم، إلى حد تطاولهم على شعب الإمارات . إنهم يتباهون بأن لهم فروعاً في 80 دولة في العالم، مع أن هذا التمدد، الذي يحكمه التنظيم الدولي للإخوان، ويديره أفراد من جنسيات مختلفة، لا علاقة له بمفهوم الوطن . فهؤلاء ليس لديهم ولاء له، ولا مانع لديهم من عقد صفقات مبادلة على مصالح الوطن وأمنه القومي مع قوى خارجية تدعم خطتهم للتمكين، التي هي لب وجوهر عقيدة الإخوان، منذ نشأة جماعتهم، وحتى اليوم .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"