أين الدور العربي في رسم مستقبل العراق؟

03:31 صباحا
قراءة 4 دقائق

رغم التوافق العراقي العام الرافض لمشروع المعاهدة الأمنية التي تريد واشنطن توقيعها مع بغداد أواخر يوليو/ تموز المقبل، إلا أنه يلاحظ ارتباك على المستوى الرسمي، ما يعكس تناقضاً في الموقف العراقي، فعلى سبيل المثال، أعلن هوشيار زيباري وزير الخارجية العراقية إحراز تقدم في المفاوضات واحتمال إبرام المعاهدة في الموعد المحدد، بينما أكد نوري المالكي رئيس الوزراء أن المفاوضات وصلت الى طريق مسدود في بعض الملفات بسبب تقديم الجانب الأمريكي سقف مطالب مرتفعا لن ينال موافقة الأطراف السياسية العراقية.

وقد أوقع هذا التضارب والارتباك الرسمي حكومة المالكي في مأزق حقيقي، فهي تواجه وضعاً داخلياً متأزماً يسبب لها حرجاً رغم اتفاق معظم الأطراف الداخلية على ضرورة توقيع المعاهدة بشرط المحافظة على السيادة العراقية التي تمثل خطا أحمر. مبعث الأزمة الحقيقية هو رفض إيران هذه المعاهدة، حتى إنها أبلغت المالكي أثناء زيارته لها مؤخراً بصورة رسمية رفضها لها. ولم تكن إيران بحاجة الى إعلان مقتدى الصدر تنظيم مظاهرة عقب صلاة كل جمعة للتنديد بهذه المعاهدة المذلة.

واللافت للنظر أن إيران إعلامياً استبقت زيارة المالكي لها بشن حملة شعواء عنوانها أن هذه المعاهدة ستحول العراق الى مستعمرة أمريكية، وستعيد أجواء الحرب بين إيران والعراق، وستؤثر في علاقات العراق وجيرانه الإقليميين.

وتحاول أمريكا بشتى الطرق إقناع الأطراف العراقية بجدوى المعاهدة، سواء بالوعيد والتهديد أو بالثواب والجزرة، وتقول إن البلدين في حاجة الى إطار قانوني ينظم وجود القوات الأمريكية في العراق ويحدد صلاحياتها، ومن الطبيعى أن تظهر نقاط خلاف في الرؤى بين الطرفين، ولكن المهم هو العمل على إيجاد أرضية مشتركة للانطلاق نحو توقيع المعاهدة الأمنية طويلة الأمد. وعبثاً يحاول العراقيون وضع شروطهم لتحديد مسار التفاوض رغم قانونيتها وشرعيتها واستلهامها مواقف حزبية وشعبية ودينية لا يمكن التغاضي عنها.

من الواضح أن العراقيين لم يستوعبوا في الواقع الاعتراض الأمريكي المبالغ فيه على شرط يصر العراقيون على تثبيته وينص على عدم السماح للقوات الأمريكية باستخدام الأراضى العراقية لشن عمليات عسكرية ضد دول أخرى، وكذلك اعتراض واشنطن على إجراء استفتاء شعبي عام لتحديد الموقف من المعاهدة، فالسفير الأمريكي في واشنطن رايان كروكر كان شديد الوضوح في تهديده للقادة العراقيين عندما لوح بمخاطر عدم إخراج العراق من البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة.

والمعروف أن الإدارة الأمريكية بررت غزو العراق بموجب التزامات البند السابع الذي وفره مجلس الأمن يوم غزا صدام حسين الكويت عام ،1990 وقد استغلت هذه الوصاية الدولية منذ ذلك الحين، إلى أن نفذتها مع بريطانيا، بقوة السلاح في ابريل/ نيسان ،2003 ويعطي البند السابع الدولة الوصية حق وضع اليد على كل المصادر الحيوية والاقتصادية والصناعية في البلاد، بما في ذلك المياه والبترول. وفي سبيل التخلص من وطأة البند السابع، يسعى العراقيون إلى إلغاء المعاهدات الأمنية السابقة، وعقد المعاهدة الجديدة التي من شأنها أن تنظم وجود القوات الأمريكية بعيداً عن مظلة الأمم المتحدة.

ولكن يبدو هنا انه غاب عن ذهن العراقيين ثبات الاستراتيجية الأمريكية، فهي لا تتأثر بكينونة الفائز في الانتخابات الرئاسية، لأنه أياً كان هذا الرئيس سواء كان ديمقراطياً أو جمهورياً، فسيكون من الصعب عليه إضاعة فرصة البقاء في العراق والشرق الأوسط ومنطقة الخليج التي تضم أكبر خزان بترولي في العالم. ما يمنح الأمريكيين من دون تكبد أي عناء، الزعامة الحقيقية على العالم اليوم، علاوة على منحهم القدرة أيضاً على التأثير في اقتصادات القوى المنافسة الرئيسية، مثل الاتحاد الأوروبي والصين واليابان، بل إجبار هذه القوى على الدخول في مساومات تخدم الترتيبات الأمريكية، التي لن تتأثر بأية تقلبات في السوق، لأن لدى الأمريكيين خزاناً استراتيجياً أساسياً من الطاقة يمنحهم قدرة أكبر على التعامل مع تقلبات السوق الناتجة عن عدم الاستقرار السياسي.

ولعل المثير أن مصادر أمريكية وهي وثائق أرشيف الأمن القومي الأمريكي هي التي كشفت أن الإدارة الأمريكية قد أعدت هذه المعاهدة منذ غزو العراق. وهذا يؤكد عزم واشنطن احتلال العراق لفترة طويلة، ومن هنا جاء أهم بند في مشروع المعاهدة وهو عدم وضع أي قيود على العمليات العسكرية التي قد تنفذ مستقبلاً، مع منح القوات الأمريكية الحصانة ضد الملاحقات القانونية العراقية والدولية، بالإضافة الى منحها حق اعتقال واستجواب أي عراقي، ما يعني استمرار العراق بلداً محتلاً أمريكياً. وهذا يبرر موافقة الكونجرس الأمريكي قبل أيام على تخصيص مبلغ 162 مليار دولار إضافية لتمويل الحرب في أفغانستان والعراق لمدة عام آخر، على أن يذهب معظم المبلغ الى حرب العراق. وهذه الموافقة التي حصلت عليها إدارة بوش بصعوبة لم تأت من فراغ، فرغم معارضة الديمقراطيين الذين يمثلون الأغلبية في مجلس النواب، إلا أن المجلس أقرّ في النهاية تمويل الحرب بمخصصات إضافية. وبذلك يكون الكونجرس قد خصص حوالي 800 مليار دولار إضافية للحرب في أفغانستان والعراق منذ عام ،2001 رغم تراكم الديون الاتحادية الضخمة خلال فترة ولايتي بوش. هذا مع العلم بأن هذه المبالغ غير التكلفة الحقيقية للحرب التي بلغت عام 2007 وحده حوالي 439 مليار دولار، وهو ما يمثل 3،9% من الناتج القومي الإجمالي و20% من الإنفاق الفيدرالي.

الواقع الفعلي يقول إن أمريكا لم تحتل بلداً ثم تخلت عن الوجود فيه بشكل كامل، فحتى سنوات قريبة، كان هناك ما يربو على مائة ألف جندي أمريكي في ألمانيا، وما زالت هناك قواعد عسكرية أمريكية في اليابان وكوريا، ولا تزال هناك اتفاقيات أمنية ووجود أمريكي في حوالي ثمانين دولة منذ الحرب العالمية الثانية.

وختاماً نقول، إنه كان يتعين على الدول العربية بخليجها ومشرقها ومغربها التي غابت عن رسم حاضر العراق، أن تنسق المواقف مع العراق وتكون سنده وظهره قبل الدخول في معترك هذه المفاوضات الماراثونية الصعبة التي تقودها أمريكا بكل شراسة من أجل فرض أمر واقع ليس على العراقيين وحدهم، بل على العرب جميعاً، فمستقبل العراق قضية عربية وليست أمريكية.

* كاتب بحريني

E-Mail: [email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"