أما لهذا الحصار من نهاية؟

03:57 صباحا
قراءة 3 دقائق
نبيل سالم

أين الضمير العالمي؟ على مدى سنوات الصراع العربي «الإسرائيلي» الطويلة، أثبت العالم، وعلى رأسه الأمم المتحدة، المنوط بها العمل من أجل السلام في العالم، أن القوة بمفهومها المادي والعسكري، والمصالح فقط، هي التي تحرك القرار العالمي، وأن هذا العالم الذي يزعم حرصه على العدالة والسلام، مصاب بالعمى وانفصام الشخصية، والسقوط الأخلاقي بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.
والدليل على ذلك أن ما يسمى بالرأي العام العالمي، لا ينفعل أو يتفاعل إلا مع قضايا بعينها، في حين يصبح أصمَّ وأعمى أمام جرائم تُجرى على اتساع الكرة الأرضية كل يوم، لحساب القوى المتنفذة، التي تتربع على سدة الأمم المتحدة أو غيرها من المنظمات الدولية، التي تزعم حرصها على السلام والعمل من أجله.
هذه المقدمة ما قادنا إليها في الواقع، هو ما يعانيه الشعب الفلسطيني المحاصر منذ سنوات طويلة، في قطاع غزة، أمام بصر العالم وسمعه الذي يدّعي التحضر والإنسانية.
إذ تشير الأنباء والتقارير الإخبارية على اختلاف مصادرها، إلى أن هناك تزايداً ملحوظاً في جرائم القتل وأحياناً الانتحار، بسبب الظروف القاسية التي يعانيها أهل القطاع.
ومع أن مثل هذه الجرائم تحدث في الكثير من بقاع الأرض، وليس هناك من مجتمع محصن تماماً منها، إلا أن ازديادها بشكل لافت في قطاع غزة، يضع الكثير من علامات الاستفهام حولها، لا سيما أن الشعب الفلسطيني من الشعوب الأكثر تعليماً في المنطقة، حيث إن معدلات الالتحاق بمؤسسات التعليم في فلسطين تعتبر من الأعلى بالمقاييس الإقليمية والدولية، وذلك يعكس بوضوح أهمية التعليم بالنسبة للفلسطينيين، إذ أصبح التعليم حاجة ماسة بسبب فقدان مصادر الرزق الأخرى المتمثلة بالزراعة والتجارة والصناعة لدى شريحة عريضة من الفلسطينيين. وتبذل الأسر الفلسطينية كل ما في وسعها من أجل تأمين تكاليف تدريس أبنائها في الجامعات، وهي في المقابل تعتمد على مساعدة هؤلاء الأبناء المادية المنتظمة حين حصولهم على وظائف، في الخارج على الأغلب.
ونتيجة لهذا، حقق الفلسطينيون على مدار ستين عاماً أعلى نسبة من المتعلمين في العالم العربي، ومن الطبيعي أن يكون هناك تناسب عكسي بين المستوى التعليمي ونسبة الجريمة في المجتمع.
ولذلك تبدو المفارقة كبيرة بين هذه المُسَلَّمة وواقع الحال في قطاع غزة المحاصر، لكن من يتابع الوضع في القطاع يستنتج بسهولة أن ظاهرة الجريمة، ليست من طبيعة الشخصية الفلسطينية، وإنما قادت إليها الظروف الصعبة التي خلقها الاحتلال «الإسرائيلي»، وسياسة الحصار والتجويع التي تلجأ إليها الطغمة الحاكمة في «إسرائيل» ضد الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة في مخالفة واضحة لكل الأعراف والمواثيق الدولية.
فمن الناحية النفسية، يَعتبر الكثير من المختصين أنه إذا كانت البيئة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والنفسية غير مريحة، فإن ذلك يُعد من العوامل المهددة لكيان الإنسان لارتكاب الكثير من الجرائم، سواء في حق نفسه أو في حق مجتمعه، وهو وضع ينطبق تماماً على واقع الشعب الفلسطيني.
وفي هذا الصدد يرى الاختصاصي النفسي والمحاضر في جامعة الأقصى في قطاع غزة الدكتور درداح الشاعر أن الواقع النفسي لسكان قطاع غزة واقع مرير، مبيناً أن المجتمع الفلسطيني يشعر بنوع من الاحتراق النفسي والقلق الموصول والمستمر وبدرجة عالية من التوتر النفسي.
ولفت الشاعر إلى أن هذا الواقع النفسي هو الذي يؤدي إلى هذه الجرائم، مشيراً إلى وجود نسبة لا يمكن تحديدها من الاضطرابات النفسية العنيفة كالفصام والأمراض العقلية، بالإضافة إلى أعداد هائلة من الذين يعانون اضطرابات نفسية يترددون على العيادات النفسية.
هناك أكثر من مليوني فلسطيني بحاجة لنوع من المساندة المجتمعية والدعم النفسي الاجتماعي والإسعافات النفسية الاجتماعية نظراً للواقع الاقتصادي والأمني والسياسي الخانق في قطاع غزة.
ورغم أن الجرائم في القطاع المحاصر ليست كلها ذات دافع اقتصادي، فإنه من المنطقي والطبيعي أن يتحمل الاحتلال «الإسرائيلي»، جل المسؤولية بالنسبة لتردي الأوضاع في قطاع غزة المحاصر منذ سنوات طويلة، ويعيش أسوأ مراحل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في ظل الإجراءات العقابية «الإسرائيلية» التي أثرت في كل مناحي الحياة والأوضاع الاقتصادية والصحية في قطاع غزة، وخلقت ضغوطاً اجتماعية واقتصادية لا يمكن تحملها.
لذا، من الطبيعي أن يتحمل هذا الاحتلال المسؤولية كاملة عما آلت إليه أوضاع الشعب الفلسطيني.
وهنا يبرز السؤال الأهم وهو: أين المجتمع الدولي مما يجري في فلسطين بشكل عام وقطاع غزة المحاصر بشكل خاص؟

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"