آخر ملوك الاستيطان

03:32 صباحا
قراءة دقيقتين
يونس السيد

توّج ديفيد فريدمان ملكاً جديداً للاستيطان، بعدما قدّم أوراق اعتماده كاملة ليكون سفيراً للمستوطنين لدى إدارة ترامب، التي ما انفكت عن استغلال اللحظة التاريخية في تقديم الهدايا المجانية للاحتلال «الإسرائيلي» ومستوطنيه، إمعاناً في إثبات غطرسة القوة التي باتت هي المعيار الوحيد للسيطرة على أراضي الفلسطينيين والعرب على حساب حقائق التاريخ والجغرافيا وحقوقهم الثابتة والمشروعة في ديارهم وأوطانهم.
منذ تلك اللحظة التي رشح فيها فريدمان ليكون سفيراً لواشنطن في «تل أبيب»، خلع عنه عباءة السفير الأمريكي ليلبس بدلا منها «قلنسوة» الاستيطان، باعتباره أصلاً واحداً من أهم مموّليه، وقد عرف فريدمان كيف يستغل الدعم الأمريكي اللامحدود والانحياز الأعمى ل «إسرائيل» في تكريس نفسه، كضلع ثالث في الدائرة الأقرب لترامب التي تضم صهره كوشنير ومبعوثه إلى المنطقة جرينبلات، المسؤولة عن إدارة العلاقات الأمريكية في الشرق الأوسط. منذ ذلك الوقت، تحول فريدمان إلى مهندس الاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة ل «إسرائيل» ونقل السفارة الأمريكية من «تل أبيب» إليها، ولعب، بعد ذلك، دوراً أساسياً في الاعتراف الأمريكي بالسيادة «الإسرائيلية» على هضبة الجولان السورية المحتلة.
وبغضّ النظر عن كون هذا الثلاثي في إدارة ترامب جاهلاً أو متجاهلاً لحقائق الصراع في المنطقة وجغرافيتها وتاريخها، كما دلّت على ذلك طريقة الاعتراف الأمريكي ب «إسرائيلية الجولان»، إلاّ أن ما يلفت الانتباه هو الخفة والرعونة التي تتعامل بها إدارة دولة عظمى على طريقة الهواة أو المراهقة السياسية، بحيث تضع خلف ظهرها كل الشرائع والشرعيات والقوانين الدولية والأخلاقية، ولا تكترث بحقوق الشعوب في أرضها وأوطانها وتقرير مصيرها، وبالتالي تسقط هيبتها بنفسها وتفقد دورها القيادي في الساحة الدولية، وهو ما يقود هذه الإدارة نفسها إلى الهاوية في نهاية المطاف.
تصريحات فريدمان الأخيرة إلى «نيويورك تايمز»، المعبرة عن الكرم الأمريكي بضم أجزاء من الضفة الغربية إلى «إسرائيل»، تكشف، في الواقع حقيقة صفقة التسوية الأمريكية التي تروّج لها إدارة ترامب، وإشارة عما تحويه هذه الصفقة بتحقيق وعد نتنياهو الانتخابي في ضم مستوطنات الضفة الغربية، لكن فريدمان الذي تقمص دور الحفيد الوفي لجابوتنسكي ومناحيم بيجن وغيرهما من الآباء الروحيين للاستيطان، وتمكن من تتويج نفسه ملكاً على هؤلاء المستوطنين، لم يدر بخلده أنه سيكون آخر هؤلاء الملوك، بعد أن لم يعد في بيت الضيافة الأمريكي ما يمكن تقديمه، وبعد أن لم يعد لدى الفلسطينيين ما يخسرونه، وقد يعني هذا الشيء الكثير بالنسبة لشعب عرف كيف يواجه النكبات والتقلبات عبر تاريخه.
وإذا كانت مشكلة الفلسطينيين الآن تكمن في غياب القيادة الحقيقية وتغييب مشروع الثورة والتحرير، فإن الأمر قد لا يكون كذلك في المستقبل، ذلك أن استفزاز الفلسطينيين إلى هذا الحد واستهداف وجودهم على أرضهم وحقوقهم في وطنهم، قد يشعل المنطقة من جديد ويقلب المعادلات القائمة مهما كانت رداءة الظروف وسطوة القوة الغاشمة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"