الأصالة والتجديد بنظـــــرة غرابيّـــــة

04:17 صباحا
قراءة دقيقتين
عبد اللطيف الزبيدي


ألا تخشى أن يحدث للعرب ما حدث للغراب في مشيته؟ هذه الطرفة هي بالضبط تحويل مشهد من مشاهد الأصالة والتجديد إلى طريقة كليلة ودمنة. الغراب الذي أراد تقليد مشية الحمامة فنسي مشيته، تصوير كليلي دمني للبلدان التي لم تعرف التنمية وأرادت تقليد الغرب فلم تفلح، لكن المهزلة هي أنها لم تستطع الحفاظ على قيم ماضيها.

كيف رامت أنظمة طبائع الاستبداد اقتفاء آثار الغرب، وهي واقعة تحت استعماره؟ توهموا أن حريات الفكر والرأي والتعبير والديمقراطية، بِدل وربطات عنق، لم يستوعبوا أن البرلمان البريطاني اليوم، جذوره ضاربة في القرنين الثاني عشر والثالث عشر، في الماجناكارتا، الوثيقة العظمى، حين طالب النبلاء الملك بالحدّ من صلاحياته المطلقة والتوقيع على الوثيقة. الديمقراطية في الداخل فقط. أمّا شعوب المستعمرات فحياتها تلك التي عليها تسعة عشر.

عجباً، الديمقراطية البريطانية مضت من عمرها تسعة قرون، زائد ناقص. وكم مضى من قرن من عمر الجامعات البريطانية؟ كمبريدج وأوكسفورد: تسعة قرون، زائد ناقص. الفكر أنجب البحث العلمي وازدهر مع تأسيس الجامعات. حريات الفكر والرأي والتعبير، نمت علوماً، وإنتاج علوم صار مدداً للاقتصاد بالزراعة والصناعة وبالتوسع في رحاب الكوكب، وجاءت الثورة الصناعية التي هي ثمرة للفكر والفلسفة والبحث العلمي. الصناعة صنعت الأساطيل وسيطرت على البحار والمحيطات، فماذا عن ضآلة أنظمة طبائع الاستبداد؟ لقد أرادت برلمانات بربطات العنق والتصفيق، واقتصاداً نصفه عجز والباقي مديونية، وسياسة بلا سيادة، وتعليماً بلا تطوير، وتقدماً بلا بحث علمي، وثقافة وإعلاماً بلا فكر ولا رأي ولا تعبير.

اقتحام المستقبل لا مجال لا للغراب ولا للتقليد. لا تقدم بلا تعليم يجري تحديثه باستمرار، مثلما يحدث الآن للبرمجيات من تحديث مستمر. المناهج التي لا يقوم عليها البحث العلمي لا فائدة منها. ميادين التنمية التي لا تنبني على البحث العلمي لا جدوى لها. كل ذلك يخطط له ضمن منظومة الجسم الواحد: الكل مترابط متكامل: المناهج والبحث العلمي والتنمية. القوة الاقتصادية والعسكرية لا تكفي. انظر ما حدث للإمبراطورية حين أهملت صحة الشعب وداست كرامة الفرد. بدت وكأنها دولة خائبة من العالم الثالث.

لزوم ما يلزم: النتيجة الإبداعية: الروعة هي أن تكون أصيلاً في التجديد ومجدّداً في الأصالة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"