دردشة في مكوّنات المنتخبات

04:12 صباحا
قراءة دقيقتين
عبد اللطيف الزبيدي

هل منتخبات الكرة نموذج للعولمة الاقتصادية، أم لأمميّة الانتماء من دون إيديولوجيا ولا عاطفة مسبقة؟
ظاهرة عريقة في التاريخ هي الكوسموبوليتانيّة، حلم بها الفلاسفة وآمن بها العرفاء والشعراء والفنانون، وهي محور جوهريّ لجلّ الأديان السماوية والوضعية.
الدوافع تختلف حين ننظر إلى أهداف العولمة التجاريّة والمصارف الدولية والمنظمات العالمية. لكن، إذا رأيناها كفكرة مجرّدة، ندرك أن إرادة التوسع ظاهرة لم يخل منها عصر من العصور، ولك أن تذهب إلى أبعد بعيد في استقصاء الجذور في عالم الحيوان، ما يجعل القراءة الأعمق بيولوجية في ماضي الحمض النووي على الأرض، بل لك أن تراها في فيزياء الكون: الأرض، المنظومة، المجرّة، مجموعات المجرّات، الكون.
المنتخبات التي شاركت في كأس العالم، تنوع عدد الجنسيات فيها من ثلاثة، أربعة، ستة، ثمانية، تسعة... إلى سبعة عشر. أمر ذو شأن عند تحليل الإيجابيات. يمكن تلخيصها في أن التعاون الجادّ يوحّد الوسيلة والغاية، يلغي فوارق الانتماء. الشعب الذي ينتمي إليه المنتخب، يعرف جيّداً أن أولئك اللاعبين لا تربطه بهم أواصر وطنيّة أصليّة أو إثنيّة أو عقائدية، ولكنه مستعد لافتدائهم بمهجته، فقد أصبح يرى روحه ووطنيته وشخصيته وطموحه فيهم. لا مفرّ من السخريات، فالمنتخب البلجيكي فيه لاعبون من الكونغو ومالي وإندونيسيا، يكدحون من أجل رفع راية بلجيكا، في مباراة قتالية مع الجيران الفرنسيين، في حين أن كلمة بلجيكي لدى الشعب الفرنسي تعني، مع المعذرة: صعيدي أو حمصي أو كردي، والقائمة طويلة، فتلاعن الشعوب بحر.
شقراوات فرنسا وحدها لا حصر لهن، مع ذلك «شقراء» في الفرنسية تعني حمقاء. الطريف أنهم يستثنون الرجل، ما يجعل أغنية «أشقر وشعره ذهب» صالحة للبث في فرنسا، وكذلك «ذهبيّ الشعر شرقيّ السمات».
لا يمكن ترك الذهول إزاء عجز دول كثيرة، ومنها عربية يقيناً، عن عدم فهم مكوّناتها واستثمار طاقاتها في تنمية عادلة تغيّر المصير. ما تنجح فيه المنتخبات المذكورة، نموذج مثاليّ للتنمية الجادّة التي تلغي الفوارق في الأصول. الحضارات خير برهان: الإمبراطورية الرومانية لم تكن جغرافيا إيطاليا التي تشبه خنصراً في البحر المتوسط. الحضارة الإسلامية قديماً، وحديثاً الولايات المتحدة ومكوّناتها، والأمثلة كثيرة. دولة الإمارات تحتضن أكثر من مئتي جنسية تجمعها تنمية حثيثة ذات إدارة فائقة تنشر الأمن والتسامح للجميع. للأسف، يبدو أن تطبيق النماذج الإيجابية المتألقة لا يروق مزاج العقل العربيّ الجمعيّ.
لزوم ما يلزم: النتيجة السياسيّة: على الدول المتعثرة أن تخضع وزراءها لدورات مكثفة يشرف عليها مدرّبو منتخبات وقادة أوركسترا.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"