كنت دائماً أتوق إلى كتاب أو موسوعة كبيرة تؤدي بي إلى شعاب الشعر وكهوفه وأدغاله في سلطنة عُمان، هذا البلد الغزير في أساطيره وجمالياته وسحره التاريخي والجغرافي إلى جانب غزارة انثروبولوجية يمكن التعرف إليها ببساطة من خلال نتاجات لكتّاب عُمانيين وموسيقيين ومثقفين مهتمين بأدب السفر وجماليات المكان .
عُمان بلد شعر وشعراء من فحول ديوان العرب، ولا عجب في ذلك إذا قام المشتغل في حقل الثقافة بمعاينة المكان العماني وجذره التاريخي والمعرفي، ليتوصل بعد ذلك إلى فضاء شعري استثنائي حقاً .
لقد شعرت بسعادة غامرة، عندما وصلني العدد الأخير من مجلة نزوى ومعه كتاب جاء تحت عنوان حداثة الأسلاف - إضاءات من الشعر العُماني القديم، من تأليف الشاعر والأكاديمي العماني هلال الحجري الذي يقول في تمهيده لهذا الكتاب . . ليس من باب المبالغة إذا ذهبنا إلى أن ديوان الشعر العُماني يمثل ثلث ديوان الشعر العربي القديم، وإن ظل مغموراً ومطوياً حتى عن معظم أهله وذويه . .، وهذا الكلام فيه الكثير من الصواب والموضوعية إذا نظرنا إلى حجم النتاج الشعري العماني وعدد الشعراء العمانيين منذ القرن الثاني عشر وحتى اليوم، وهي مسافة زمنية تغطي مكاناً شعرياً يفيض بالشعراء وبتجاربهم الغنية بمفردات الحداثة، وهو الأمر الذي يشير إليه الحجري باختراقه كما يقول التابو في الشعر العماني، ولكن قراءة مقدمة الحجري للكتاب تكشف حقاً أن الكثير من أسلاف الشعراء العمانيين القدامى جداً، هم أكثر حداثة من بعض المهرولين اليوم وراء الحداثة وما بعد الحداثة من شعراء الأجيال الجديدة .
ها هو الحجري يأخذنا مثلاً إلى العام 1163 ميلادية حيث الشاعر الستالي أحمد بن سعيد الخروصي الذي يأخذه خياله إلى حدّ أنه يرى الشمس حائرة تمج لعابها، يقول:
وأخوض بالبيداء رقراق الضحى
والشمس حائرة تمج لعابها
كتاب الشاعر هلال الحجري ليس مجرد إضاءات من الشعر العُماني . إنه حقاً موسوعة مشغولة بشعراء تصل إلينا أصواتهم من عمق التاريخ . . أصوات جريئة كتبت في الحياة ومن أجل الحياة، ومن هؤلاء ابن عرابة، أبوالصوفي، أبومسلم البهلاني، أبوعمرو الخليلي، والخليل بن أحمد الفراهيدي واضع عروض الشعر الذي ولد في الباطنة في عُمان عام 718 ميلادية، وغير الفراهيدي مئات الشعراء .
