لنبدأ من الحضانات

02:30 صباحا
قراءة دقيقتين
هشام صافي

ثورة التعليم التي باتت تتفاعل كل يوم في المؤسسات التربوية والمجتمعية المرتبطة بها، والتي تعتبر الحافز الأكبر لكل الاستراتيجيات المستقبلية، سواء بتنويع مصادر الدخل الوطني وإسقاط حسابات العائدات النفطية منها، أو ببرامج الفضاء التي انطلقت قبل نحو عامين، لتتوّج بمبادرة تحويل الإمارات إلى دولة متقدمة في أبحاث وبرامج وعلوم الفضاء، وقيادة فرق دولية لبناء أول مستوطنات من صنع الإنسان على أرض كوكب المريخ، وما سيطال المجتمع كلّه من إضافات تكنولوجية وارتباطات علمية ستغير مكوناتها وأحوالها 180 درجة، تفرض أن يبقى الاهتمام في ذروته، باعتبار دور الحضانة هدفاً أساسياً، يجب أن تتحد نحو النهوض به كل الجهود وتسخّر له كل الإمكانات.
فبناء الإنسان الذي يستطيع مواكبة الجديد العلمي كل ساعة على مستوى العالم، والانتقال التدريجي للمشاركة فيه، وصولاً إلى صنعه، وقيادة نخبة مهمة من صانعيه، كلها أمور تستوجب أن تبقى العيون والعقول شاخصة على دور الحضانة لا تغيب عنهما بأي حال من الأحوال، ففي هذه الدور يعيش الأطفال ساعات طويلة من يومهم، وبالتربية العلمية الحديثة يمكن أن تشكّلهم كيفما تشاء، بحيث يكونون عندما يكبرون بمأمن من الأفكار المنحرفة سياسية كانت أو اجتماعية، وأداة البناء القادرة على الاستمرار بمسيرة التنمية بالكفاءة ذاتها وأكثر، مع تطور الحياة وأدواتها حينها.

دور الحضانة يجب أن تكون نموذجية، فلا جدران متلاصقة تضيّق الخناق على الطفل إلى جانب جدران بيت عائلته، فهي ليست مكاناً لاحتواء الأطفال خلال توجّه أمهاتهم للعمل، ولا لتسليتهم ببعض الألعاب التي قد تجتذبهم فيلهون بها وتضيع أوقاتهم بلا فائدة حقيقية.
إنهم المصنع الحقيقي لقادة الغد، والأساس الذي سيقام عليه البناء كاملاً، فإما أن تؤسس بقوة وعناية ومنعة وصلابة أيضاً، أو فلتنتظر عدم التوفيق فيما تتطلع لتحقيقه مستقبلاً، لذلك تهتم الدول بحشد إمكانات كبيرة في سبيل الارتقاء بمخرجات هذه الدور، بحيث يكون تلاميذ المرحلة الابتدائية الدنيا المرحلة السنيّة الأكثر رقياً وتفتحاً من سابقتها، وتضم مشاريع علماء صغار جاهزين لتلقي المزيد حتى يكونوا في أقل مستوى عمري ممكن مقارنة بزملائهم في دول العالم الأخرى علماء حقيقيين، متخصصين، ومخترعين، ومبدعين، كل في مجاله وتخصصه.
المهم ألا تشغلنا المهمات الجسام الملقاة على عاتق كل فئات المجتمع ومؤسساته، الحكومية والخاصة، عن ضرورة تمتين القاعدة، على الأقل لنتلافى تفاوت مستويات الاهتمامات الأسرية بالأطفال وفقاً لتباين مستوياتها الثقافية والتعليمية ومكونات البيئة التي تربّت وترعرت فيها، فتكون الكفاءات العلمية المتميزة في الحضانات قادرة على تخليص الصغار من أي آثار سلبية حملوها نتيجة عدم أهليّة الأسر.
المسيرة مستمرة وتثير إعجاب العالم كله، لكن القادم من مسؤوليات يتطلب جهوداً وتضحيات إضافية، كان الله في عون الجميع عليها.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"