وراء كواليس علاقة أمريكا بالعرب وإيران

05:45 صباحا
قراءة 4 دقائق

عاطف الغمري
أحياناً يكون من المفيد تأمل ما يدور في كواليس السياسة، إذا كان ما فيها يتعلق بأمور تخصنا كعالم عربي . فهي تعطي مؤشرات، على ما قد يكون الذهن في حيرة منه، أو على الاتجاهات المحتملة للأحداث الظاهرة للعين . تتضاعف أهمية المعرفة بهذه الأشياء، إذا كانت صادرة عن طرف دولي، يتعامل معه العالم العربي، بصورة تتخللها مصالح، ومنافسات، أو صراعات .
وربما يكون شيء من هذا قد ورد في ندوة عقدها مجلس سياسات الشرق الأوسط في واشنطن، شاركت فيها مجموعة من أبرز خبراء الشرق الأوسط وهم: أنتوني كوردسمان، وديفيد أولبرايت، وريتشارد ليبارون، وفريدريك هوف، وأدارها فورد فريكر السفير الأمريكي السابق في السعودية . كان عنوان الندوة: "أمريكا وحلفاؤها في الشرق الأوسط وإيران": دارت المناقشات بشكل عام حول مختلف قضايا المنطقة، خاصة ما يجري في مصر، وسوريا، والعراق، وأفغانستان، وإيران .
توقفت بالاهتمام أمام مسألة علاقة إيران بسوريا، وما يجري فيها . وهو الموضوع الذي تحدث فيه فريدريك هوف، وعرضه بالمعلومات وبالتحليل . ذكر هوف في عرضه أن حوارات تجري بين الجانب الأمريكي وبين إيرانيين، يعبرون عن تفكير الدولة الإيرانية . وأن جميع المشاركين في هذه الحوارات من الأمريكيين، اتفقوا على أن الهدف المحوري للأمن القومي لإيران فيما يتعلق بسوريا، هو في داخل لبنان . أي قوة الردع الاستراتيجي لحزب الله من وجهة نظرهم، والقوات التي يملكها الحزب في جنوب لبنان، والذي يعتبرونه خط دفاع متقدماً بالنسبة لإيران .
وإن المحافظة على قوات حزب الله متأهبة، ومسلحة، من وجهة نظر إيران، ليست مجرد رصيد قوة لمهمة واحدة، أو إنه مسألة تكتيكية، لكنه جزء من الفكر الاستراتيجي الإيراني . وقد وجدت إيران في نظام بشار الأسد، استعداداً، بل لهفة، على التعاون في تسهيل هذه المهمة لإيران، بما يتضمنه ذلك من تسهيل مرور الأسلحة عبر أراضي سوريا مباشرة إلى حزب الله .
وبناء على هذا، فإن إيران تعتبر أن وجود بشار في الحكم قضية حيوية، وإنه شخصياً يمثل حجر الزاوية للنظام القائم في دمشق .
ويضيف هوف نقلاً عن الأمريكيين الذين تحاوروا مع نظرائهم من الإيرانيين إنهم لا يتصورون استبدال بشار بغيره أو تغيير نظامه" .
لكنهم فهموا من الإيرانيين، أنهم قد يروا بديلا مقبولاً لبشار، يتمثل في نظام مؤيد لحزب الله وإن كان هذا إفتراضاً نظرياً حتى الآن، وقد يكون في شكل نظام حكم انتقالي، يعتبر أن الوجود الإيراني في سوريا، والعلاقة مع حزب الله، قضايا يتم بحثها من أجل إيجاد حلول لها .
أيضا تضمن عرض هوف لما يجري خلف الكواليس، أن إيران ترى أن مجيء نظام آخر يخلف الأسد، سيقلص من مصالح الأمن القومي الإيراني، ولهذا فإنه طبقاً لما لمسناه أثناء اتصالاتنا مع الإيرانيين، فإنهم يسلحون سوريا، ويوجدون ميليشيات أخرى هناك، ليس فقط لدعم نظام بشار، ولكن لضمان ظروف تحافظ لهم على ممر عبر سوريا إلى لبنان، وذلك في حالة سقوط نظام بشار، ولا تحمل وجهة نظرهم معنى أن بشار رجل دولة، أو أنه يعمل على رفاهية الشعب السوري، لكنها مسألة مصالح .
وكما أوضح لهم أحد الإيرانيين، أن الأسد بالنسبة لإيران يمكن أن يكون جزءاً من صفقة استراتيجية . وقال آخر إن هدفنا هو دعم قوة الردع لدى حزب الله، وهذا هو سبب أهمية سوريا بالنسبة لنا . فحزب الله بالنسبة لنا هو مسألة حياة أو موت . وحسبما جاء على لسان إيراني آخر في هذه الحوارات، فنحن لن نستطيع ضمان بقاء حزب الله قوياً، إذا كانت إيران خارج سوريا . لأن قوة هذا الحزب هي جزء من أمن إيران .
وعندما وصلت الحوارات إلى العلاقة الثنائية بين الولايات المتحدة وإيران، فقد أوضح أحد المحاورين الإيرانيين نظرتهم إليها بقوله: إن الولايات المتحدة وإيران، يمكنهما التوصل إلى أرضية مشتركة في سوريا! . فإن إيران على ثقة من أن المشكلة في سوريا، لن تؤدي إلى مواجهة إيرانية أمريكية . وأن قادة إيران لا يعتبرون أمريكا سبباً في هذه المشكلة، وإنهم لا يركزون على المفاهيم القديمة لسياستهم، والتي كانت ترى أن أمريكا و"إسرائيل"، هما عدوهم التقليدي .
كان هذا هو ما عرضه في الندوة، فريدريك هوف، الخبير المتصل بالشأن الإيراني، وسواء كانت المعلومات التي قدمها مكتملة وشاملة، أم أنها بعض من تصورات إيرانية ما زال بعضها في طي الكتمان، إلا أنها بشكل عام تعطي مؤشرات إلى نظرة إيران لما يجري في سوريا، "لحزب الله" وللعلاقة بينها وبين الولايات المتحدة . وهي أيضاً تمثل ضوءاً كاشفاً على معلومات قديمة ربما لم تعد متداولة كثيراً هذه الأيام، عن اتصالات كانت تجري بين البلدين خارج القنوات الرسمية، لحل أزمة العلاقات المتوترة بينهما، وكانت إيران مستعدة لتلبية مطالب أمريكية خاصة فيما يتعلق بالسلاح النووي، لكن في مقابل أن تعترف لها الولايات المتحدة، بدور إقليمي في المنطقة . وربما يكون ما ذكره أحد الإيرانيين المشاركين في الحوارات الأخيرة، من أن الهدف المحوري للأمن القومي الإيراني فيما يتعلق بسوريا، موجود داخل لبنان، وهو تأكيد لما هو معروف عن نوايا إيران وأطماعها، في التمدد استراتيجياً في داخل دول عربية، فهل ينتهي الصراع المعلن بين الدولتين، إلى صفقة تقبل فيها الولايات المتحدة، بعضاً من طموحات وأطماع إيران في المنطقة؟
إن الأحداث الأخيرة في المنطقة العربية، وما بدأ يتكشف منذ ما سمي بالربيع العربي، والفوضى الشاملة التي اجتاحت دول الربيع، بما في ذلك الظهور الساخر لتنظيم القاعدة، والمنظمات الإرهابية الموالية له، وما ظهر من أن هذه التنظيمات لا تقوم وحدها بلعبة إشعال الفوضى، وإنما وراءها أطراف خارجية، بعضها ضالع مباشرة في صناعة الفوضى، وعدم الاستقرار، وبعضها يدعمها وهو يتوارى خلف الستار، فإن كل هذا ينبغي أن يجعل العالم العربي كله، في حالة تأهب، وتقوية لقدراته، وتماسكه .
ولعل ما طرح في دائرة الحوارات الأمريكية الإيرانية، يكشف عن طريقة تفكير طرف من بين مجموع الأطراف الأخرى، تجاه دولنا العربية جميعها ومن دون استثناء .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"