في عبارة موجزة لا يكفي الإلمام بما نعده قواعد أدبية لخلق ناقد جيد، إذ لابد من استعانته بمعارف أخرى خارج الأدب، خاصة في المجال الفكري - الفلسفي.
صحيح أن مهمة الناقد هي الاشتغال على النص الأدبي، ولكن هذا النص ليس منبتّ الصلة عما حوله، إن في البيئة التي إليها ينتمي منتجه، أو في السياق المعرفي العام الذي بلغته الحركة الفكرية والثقافية لا في مجتمعه وثقافته الوطنية وحدهما، وإنما في ما بلغه الفكر الإنساني عامة، فنص يعود للقرن التاسع عشر هو بالضرورة مختلف عن نص منتج في القرن الحادي والعشرين، كون المعارف الإنسانية لا تحدها حدود، فهي في حال من التطور الذي لا يتوقف.
ولأن الحديث يدور عن الفكر الإنساني فإن بعض المشتغلين بالنقد الأدبي في العالم العربي يحسبون النص النقدي حشواً باستشهادات ومفاهيم لمفكرين ونقاد أجانب، فرنسيين بصورة خاصة، ومن ثم ليْ عنق النص المدروس لتجليسه، قسراً، على تلك المفاهيم، التي أنتجت في سياقات إبداعية وفكرية مختلفة.
ليس المطلوب حفظ تلك المفاهيم عن ظهر قلب كما يفعل الطلبة المجدون في المدارس والكليات، وإنما في تمثلها، وهي مهمة شديدة التعقيد، خاصة أن هؤلاء المشتغلين بالنقد يطلعون على تلك المفاهيم مترجمة إلى العربية، إلا فيما ندر، وضمن هذه الندرة يقع النقاد المغاربة خاصة لما هم عليه من إلمام باللغة الفرنسية.
يطرح هذا أكثر من معضلة بينها: ماذا أبقت الترجمة من النص الأصلي، على الأقل من روحه وجوهره؟ هذا من جهة، ومن جهة ثانية فإن المترجم مهما كانت كفاءته قد لا يجد في العربية المفردات المطواع التي تنقل جوهر الفكرة التي يترجمها، لا لأن العربية لغة فقيرة، فهي من أكثر اللغات العالمية ثراء وجمالاً، ولكن اللغة ابنة التطور الثقافي والفكري لمجتمعها، وحين يصاب الفكر بالجمود تكف اللغة ذاتها عن التطور والمرونة.
تراجع مكانة هذا النوع من النقد هو أحد أسباب فوضى مشهدنا الإبداعي، وحال استسهال النشر التي بات الكثيرون يأنسونها، ففي غياب صرامة المعايير يكثر الغث.
د. حسن مدن
[email protected]