تونس على صفيح ساخن

01:31 صباحا
قراءة 3 دقائق
فيصل جلول
يلاحظ المتابع لتفاصيل الحملة الرئاسية، التي خاضها الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، قبل فوزه بقصر قرطاج، أنه وعد ناخبيه بالحصول على أكثر من 100 مليار دولار من الأسواق العالمية، التي تمحضه ثقتها. وقال إن هذا المبلغ، من شأنه أن يعيد الحياة إلى الاقتصاد التونسي، وينقذه من جمود وتعثر مشهود خلال حكم «الإخوان المسلمين» أو «النهضة».
وكان الرئيس التونسي يرد آنذاك على وعود انتخابية، لوحت بها النهضة، وتقضي بالحصول على مليارات خليجية. الحاصل أن الأسواق الدولية، لم تفرج عن المليارات الموعودة، بسبب عدم ثقتها باستقرار الأوضاع في تونس.
وإذ تمتنع المصادر التي يمكن الرهان عليها، عن نجدة الحكومة التونسية، راهن البعض على الدول الغربية، التي وعدت بألا تترك الديمقراطية الوليدة عرضة للفشل عبر الإرهاب أو البطالة الاقتصادية. سوى أن وعوداً من هذا النوع، ظلت طي الحواسيب الغربية حتى إذا ما انفجر الموقف في القصرين، تنبه الرئيس الفرنسي هولاند إلى خطورة الوضع ووعد بتزويد تونس بمليار دولار وهو مبلغ لا يكفي لحل مشكلة البطالة في مجمع للقرى التونسية فما بالك بحل مشكلة حوالي 18 في المئة من العاطلين عن العمل في هذا البلد وبعضهم بل ربما ثلثهم من حملة الشهادات الجامعية.
وإذا ما تخلف الغربيون عن نجدة الاقتصاد التونسي. كان لابد، لحكومة السبسي الأولى أن تحل المشكلة ليس فقط بالموارد التونسية، وإنما أيضاً بأقل منها، وذلك بسبب الكارثة السياحية التي حلت بالبلاد، إثر العمليات الإرهابية على الشاطئ التونسي وفي متحف باردو. وبما أن موارد هذا البلد تأتي بجزء كبير منها من السياحة، ومن استضافة الشركات والمحترفات والمصانع الأوروبية، فكان أن تأثر هذا القطاع بالفلتان الأمني وحرم البلاد من قسم معتبر من مواردها الاقتصادية فبات لدى الحكومة وسائل أقل في التصدي لآفة البطالة وصار من المنتظر أن تفضي هذه الأزمة إلى عدم الاستقرار.
كان يمكن لهذه الأزمة أن تظل محدودة، وأن تعالج بتسوية على الطريقة التونسية، خصوصاً أن الجنوب التونسي لا يعاني مشكلة بطالة حادة، وربما السبب يعود إلى كونه مدخلاً لمئات الآلاف من الليبيين الذين يتبضعون خارج حدودهم، وبالتالي فهي أي البطالة محصورة في مدن الداخل والوسط وليست عامة. بيد أن التغيير الحكومي الأخير جاء ليصب الزيت على النار لسببين، الأول هو السعي لطمأنة الأسواق عبر تعيين وزير خارجية كان دبلوماسياً سابقاً في «إسرائيل» ووزيرة سياحة لم تخش التطبيع مع الكيان.
ولكي تطمئن الخليجيين، ألغت اتفاقاً للسياحة مع إيران، وكل ذلك في وقت زمني قصير. والسبب الثاني يكمن في وعود كاذبة، أطلقها محافظ القصرين للعاطلين عن العمل، فكان كمن يصب الزيت على النار هذا إذا ما أضفنا إلى هذين السببين مناخ التوتر في شمال إفريقيا مع تمدد «داعش» واحتلاله مواقع مهمة في الهلال النفطي الليبي.
أضف إلى ذلك كله الأزمة الطارئة في الحزب الحاكم، الذي فقد الكثير من أعضائه وإلى انحسار حركة النهضة عن واجهة المسؤوليات، لضمان فرصتها كي تكون البديل المتوقع للحكومة الفاشلة، التي تبدو مترنحة ما لم ينجدها الأوروبيون بمعجزة من مليارات الدولارات.
يفضي ما سبق إلى أن صورة الوضع التونسي هذه الأيام، أشبه بصفيح ساخن، اجتمع على سطحه الزيت والبارود وتضافرت فيه عناصر الانفجار الذي يحتاج إلى صاعق.. فالحل أو على الأقل تأجيل الانفجار يمكن أن يتم بمليارات إنقاذ أوروبية عاجلة، وبإجراءات على الطريقة الجزائرية تتيح تشتيت كتلة العاطلين عن العمل التي تشكل منفردة أكثر من 80 في المئة من الأزمة، وبالتالي إعطاء كتل منها، موازنات وقروضاً للعمل الحر أو المشاريع الخاصة، بيد أن ذلك لن يكون كافياً، إذا ما تدخلت الكتل السياسية التونسية لتجعل من هذه الأزمة فرصة للإطاحة بالرئيس السبسي، وهنا تكون الحال أشبه بظروف الإطاحة بالرئيس الراحل الحبيب بورقيبة أو أقله بحمله على تشكيل حكومة تعايش بين الموالاة والمعارضة، وفي هذه الحالة يزداد ضعفاً على ضعف وتنحسر آماله بإكمال ولايته الرئاسية.
كانت تونس حتى الأمس القريب تقدم بوصفها الاستثناء الوحيد فيما يسمى «الربيع العربي»، الذي نجا من العنف. فإذا بها تقف على خطوات من مرجل اجتماعي اكتمل غليانه، في ظل سلطة نهضوية فاشلة وحكم «النداء» الارتجالي وعندما يفشل قطبا السلطة في هذا البلد فإنهما لا يتركان لأهله غير الحنين إلى الماضي والارتياب من حكامه رغم الاستبداد والقمع والفئوية والفساد.
ما من شك أنه لا ديمقراطية بلا أمن ولا كرامة أو عمل، وإذ يخسر التونسي الأمرين فلن يتردد أبداً في القفز إلى الفراغ.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"