السقوط العربي . . إلى متى؟

04:25 صباحا

قراءتي للصحف أحزنتني، وجعلتني أذرف الدمع . . أي يوم سيمر علينا إذا كان صباحه يحمل لنا عنوان سقوطنا في امتحان الإرادات كما جاء في افتتاحية صحيفة الخليج .

ماذا ننتظر بعد أن سقط العرب في التصويت لمشروع يلزم الكيان الصهيوني توقيع معاهدة حظر الانتشار النووي؟ صحيح أنني لم أكن أنتظر خبراً غير هذا بعد أن تعودنا على أن نتجرع أحزاننا وآلامنا في صمت ونحن نشهد على قهرنا والتنكيل العالمي بأمتنا . . لكن الخبر هذه المرة جاء كالسيف الذي يقطع الأمل ويعزز في نفوسنا اليأس، سنظل نتساءل متى نستيقظ من غفوتنا التي طالت حتى غرَّبتنا عن الهوية، وفقدنا القدرة على اتخاذ قرار يحفظ احترامنا وهيبتنا في العالم تماماً، كما فقدنا القدرة على اتخاذ موقف أو قرار تفخر به الأمة العربية والإسلامية، وشعوبها التي انتظرت وملّت الانتظار حتى مات من مات وعاش من عاش؟ شعوبها التي سلبت حقوقها، وسرقت أرضها، ومحيت آثار بيوتها وحقولها، ولا نملك لها سوى أن نحييها على صبرها وتمسكها بعزتها وحقها .

واليوم، إذ نسمع نحن وهم بفشل عربي ذريع آخر . . ماذا نقول؟ ماذا نقول وهناك صغار لايزالون يدافعون عن الحق العربي وباسم الأمة بالحجر ويموتون في سبيل الحق . . وكبارهم لم يفقهوا بعد معنى الوقوف في وجه الظلم ولو بحجر؟ بل إنهم يمضون إلى أبعد من ذلك، فيعقدون الصفقات معهم لشراء الأسلحة ويدعمون المصارف الغربية بالمليارات حتى لا تنهار مصارفهم ولا يتهاوى اقتصادهم، فنمارس معهم أخلاق الكرم العربي، وهم يمارسون معنا خلق اللؤم والظلم ومؤامرات إسقاطنا في الهاوية .

ولكن أية أسلحة هذه التي نشتريها وأعداؤنا يتمرغون في التدليل الغربي لهم فتتكدس الخزانة الإسرائيلية بأحدثها للحفاظ على قوتها في المنطقة العربية حتى جعلت منها قوة غير مسبوقة لا في الشرق الأوسط وحسب ولكن حتى على مستوى العالم أيضاً .

لقد سمحنا لهم أن يعيثوا في أرضنا فساداً بل استمعنا بإنصات واهتمام لمؤامراتهم ضدنا فصدقنا أن الأخ عدو، والعدو صديق . . هكذا فرقوا بيننا كي يستفردوا بكل واحد على حدة فيسهل تحكمهم فينا وسيطرتهم الظالمة علينا وقد زرعوا بين صفوفنا العداوة والبغضاء، وتسببوا في انهيارات قيم المحبة والوحدة، حتى انبرى بعضنا يتهم أخاه بالخيانة، ودبت الفتنة بيننا وكذلك الخلافات حتى وجَّهنا السلاح إلى بعضنا بعضاً، واستجبنا للفتنة التي زرعت بيننا فتسلطنا على إخوتنا وأحبتنا بالقتال والحرب .

إننا نملك مقومات كثيرة تجمعنا وتقربنا وتقوي شوكتنا، لكننا ألقينا بها وراء ظهورنا ولهثنا وراء مشروعات النماء الأسمنتي للتنافس على دخول موسوعات الثراء السريع .

وظلت مشروعات بناء الإنسان تعاني التقليدية، فلا برامج تحل المشكلات من جذورها، ولا جامعات تخرج أجيالاً متتابعة من العلماء، ولا استقطاب للعقول المهاجرة، ومجتمعات عربية لا تزال تعاني الأمية والجهل والأمراض المستشرية في العقول والأبدان والنفوس، وأساليب تعليم أكل الدهر عليها وشرب .

كل زاوية من وطننا العربي الذي تغنينا به وبحبه وربطنا شعباً واحداً من محيطنا إلى خليجنا يفتقد معنى الوحدة وتطبيقاتها على أرض الواقع . . فكيف لا ننهار ونسقط في اختبار الإرادات أمام العالم كله الذي سينظر إلينا بعين الشفقة أو الشماتة؟

رحمة الله عليك يا جمال عبدالناصر، يا زعيم الأمة . . تذكرتك اليوم وأنا أقرأ سقوطنا في امتحان الإرادات، وتذكرت أنهم لا يزالون يتحدثون عن النكسات ويلقون عليك بأسبابها ويصمونك بالهزيمة ويلقون بفشلهم من بعدك عليك، وربما سيلقون عليك أسباب الضربة القاسية التي تلقوها من العالم بعد أن رفض مطالبهم .

لقد أصبنا بالهشاشة، ولا أظننا سننتظر طويلاً حتى يزف إلينا نبأ التوقيع العربي على الاعتراف بالدولة اليهودية وتقبُّل إسرائيل بيننا شئنا أم أبينا باعتبارها دولة صديقة يجب أن نستقبلها بالأحضان، وقد تلقَّى بعضنا تدريباً عملياً على أخذها بالحضن . . فأي غرابة إذاً في ذلك؟

وها هي إسرائيل محبوبة العالم المعاصر تتلقى الضوء الأخضر لأن تجرب لعبتها التخريبية على لبناننا الجميل، كي يسهل لها دخول العزيزة سوريا . . ونحن ما زلنا في خبر كان!

كما نفتقد جمال، فإننا نفتقد والدنا الشيخ زايد، رحمه الله تعالى، وقراراته الشجاعة التي لفتت أنظار العالم إليه، ونفتقد صوته الحاسم والحنون ومقولته الشهيرة البترول العربي ليس بأغلى من الدم العربي .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"