تمرين تونسي فاشل لعودة الديكتاتورية

04:39 صباحا
قراءة 3 دقائق
فيصل جلول

لا يحتاج المرء إلى جهد استثنائي ليكتشف آثار الأزمة الاقتصادية التي تعانيها تونس، وبخاصة في القطاع السياحي، الذي لاح لنا وجه من وجوهه المأزومة الأسبوع الماضي، على هامش المشاركة في المؤتمر القومي العربي ومنتدى العدالة الدولية لفلسطين. إن جولة خاطفة في شوارع حمامات، المدينة السياحية التي تبعد 70 كلم عن العاصمة، تتيح رؤية آثار الأزمة في شوارعها ومطاعمها شبه المقفرة ليلاً، وفي فنادقها التي كانت تضج قبل سنوات قليلة مضت بالرواد من مختلف أنحاء العالم.
ما من شك في أن عملية سوسة الإرهابية العام الماضي، تركت أثراً بالغاً في القطاع السياحي في حمامات وفي تونس عموماً. فهذا القطاع ينهض على الشعور بالأمان، وعلى حال نفسية خالية من القلق والحسابات المنية، ذلك أن السائح الذي يتمتع بقواه العقلية، لن يختار البلدان التي تعاني اضطرابات أمنية لتمضية عطلته.
لكن الحرب على الإرهاب يمكن أن تضع حداً آنياً للمشكلة عبر تلبية حاجة ضرورية وملحة للقطاع السياحي، إلا أن المشكلة ستظل قائمة ما دام العلاج النهائي لم يتم بعد، وأعني بذلك إعادة النظر بالاقتصاد الوطني بحيث يصبح تعددياً، وبالتالي أكثر صلابة وقدرة على مواجهة الإرهاب، وهنا لابد من عودة خاطفة إلى الوراء.
إن الحديث عن السياحة في تونس، يندرج في سياق علاقات التبعية بين هذا البلد والبلدان الغربية، فقد نجح الغربيون في إقناع الرئيس السابق زين العابدين بن علي، أو اقتنع منفرداً لا فرق، بتحويل بلاده إلى ما يشبه الريف للقارة الأوروبية، حيث يأتي أهلها إلى تونس كما يأتون إلى مزرعتهم مع فارق بأن «الاكزوتيسم» في هذا المكان لا ينافس، إلى حد أن المواطنين العاملين في القطاع السياحي، باتوا مجربين بل يحترفون مهنة الجذب الغرائبي لمتقاعدين أوروبيين أو لشبان يبحثون عن المتعة والراحة.
يفضي ما تقدم إلى خلاصة مضمونها أن السياحة بحد ذاتها ليست سبباً للتبعية، بدليل أن فرنسا تعتبر في من أهم البلدان الجاذبة للسياحة والسياح في العالم، لكنها رغم العمليات الإرهابية التي تمت مؤخراً، مازالت تتمتع بنسبة عالية جداً من الجاذبية السياحية، فضلاً عن أنها تحتفظ بثقة المتبوع بنفسه وبقدراته، الأمر الذي يعجل بطي صفحة الإرهاب واستئناف المواقع السياحية التي استهدفت لأعمالها بعد يومين أو ثلاثة من استهدافها.
بالعودة إلى المثال التونسي نلاحظ أن أطرافاً متضررة من النظام الحالي، تريد تدوير الرؤوس التي طالها التغيير في عهد ابن علي، معتبرة أن الديكتاتورية هي الشرط الأهم لنمو السياحة وقطاع الخدمات والأهم بالتالي لحياة مستقرة.
من الصعب أن تتمتع هذه المعادلة الديماغوجية بمصداقية كبيرة لدى الرأي العام التونسي، الذي بات يعرف أن نظام التبعية الذي بناه الرئيس السابق ابن علي هو المسؤول الأول والأخير عن مصائب العباد، لأنه أولاً لم يبن اقتصاداً على مبدأ التعددية في القطاعات، وجعل السياحة محور الاقتصاد الوطني أي عرضة للتلاشي إذا ما طرأ طارئ محلي أو خارجي، ولأنه ثانياً اعتبر أن الكلفة الأمنية للاقتصاد بمواجهة الإرهاب يجب أن يدفعها المواطن الذي يجرد من حرياته وينحدر إلى صفوف العاطلين عن العمل، ويرضى بالحلول الأمنية لكل المشاكل والمشاريع على حد سواء. ولأنه ثالثاً رضي بأن ينخرط في عقد غير موقع مع الأجنبي بأن يتمتع بحمايته ويستمد منه عناصر السلطة والنفوذ لقاء ضبط المواطن التونسي وحمله على القبول بتحويل البلاد وأهلها إلى فضاء يتمتع فيه الخواجات بعطلهم الصيفية و يتباهون بأن تمتعهم هو السبب في توفير حياة آمنة للمواطنين التونسيين. بكلام آخر يمكن القول إن ابن علي أقام نظاماً اقتصادياً مفيداً للأجنبي الذي يربح مرتين: مرة مادية عندما يحصل على نتائج استثماراته ومرة معنوية عندما يتصرف بوصفه مصدر معيشة أهل البلد والقابض على شروط حياتهم. إن الذين يستدرجون الحديث عن النظام السابق بوصفه نظاماً آمناً على كل صعيد يطلبون اليوم من أهل تونس أن يعيدوا قيودهم إلى معاصمهم طوعاً.. وأن يعود التاريخ إلى الوراء ولعلهم ينسون أن الحرية صارت نمط عيش المواطن التونسي الذي حطم قيوده مرة واحدة وإلى الأبد.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"