عندما يصبح المرض هوية

05:45 صباحا
قراءة دقيقتين
شيماء المرزوقي

يشعر الكثير من الناس بالحاجة للتعبير عن ذواتهم عن طريق القيام بأمور مختلفة تعزز فيهم الشعور بقوة الذات وحضورها الاجتماعي المميز.
البعض يستمرىء التذمر والانتقاد والامتعاض من أي شيء، ومهما كانت الأمور على ما يرام تجده مستعداً لإثبات أنها ليست كذلك، ورغم أنه مجتهد جداً بدوره كمتصيد للهفوات ومتذمر، إلا أنه في أعماقه ومن دون وعي منه يقوم بذلك فقط ليشعر بأنه مميز عن الآخرين ومتفوق عليهم.
البعض الآخر يعشق أن يشهد فشل الآخرين بينما يحصد ثمار نجاحاته، أقرب مثال على ذلك طالب المدرسة الذي يسعده فشل زميله بالاختبار بينما هو حصل على درجة متفوقة، ورغم أن مثل هذا التصرف نعدّه للوهلة الأولى شريراً إلا أنه نابع من حاجة الإنسان للشعور بذاته ولتعزيز قوتها حتى لو تم ذلك عن طريق أساليب دنيئة مملوءة بالشر والحسد.
رغم أن هذه الأمثلة تثبت وجود مشكلة حقيقية للطريقة التي يحاول البعض من الناس بها تعزيز ذواتهم إلا أنه وفي رأيي تكمن المشكلة الأكبر عند أولئك الذين يجعلون من الأمراض التي تصيبهم هوية لهم، حيث يكون الشخص مصاباً بمرض عضوي أو ذهني لمدة كافية من الزمن لتجعله يتماهى كلياً مع مرضه ويصبح ممثلاً له وصورة تعكسه.
تجد أن حياته توقفت عن كونها حياة إنسان طبيعي وتحولت لصورة نمطية متعارف عليها لدينا عن المريض وهي الخوف والمعاناة والألم والقلق والحاجة للدعم والتعاطف. وللأسف فإن المجتمع يعزز لدى هذا المريض هذه الفكرة عن طريق تغيير الأسلوب الذي يعامله فيه ويصبح الأسلوب مملوءاً بالشفقة والرحمة التي تغذي في روحه الإحساس بالعجز والخضوع.
يمكن أن يكون المرض وسيلة لصنع ذات مميزة للإنسان، حيث يتركز انتباه الأفراد على هذا المريض ويعطونه جل اهتمامهم مغدقين عليه الدعم والعطاء العاطفي والدعوات النقية والصادقة.
إن المكاسب التي تعزز الذات والأنا لدى المريض والتي ينالها من مرضه تصبح لا شعورياً أهم من فكرة التعافي من المرض، وإن كان لا يدرك ذلك إلا أن هذا ما يتصرف وفقه ويتمسك به.
لحل مثل هذه المعضلة علينا أن نعزز في داخلنا فكرة واحدة وهي أننا لا نحتاج أن نتماهى مع أي ظرف أو حالة تمر بنا لنقوي من إحساسنا بوجودنا أو لنثبت للناس أننا هنا ولسنا نكرات. على هذه الفكرة أن تنتشر حتى لا نخلق مجتمعاً مريضاً خاضعاً لمرضه وخائفاً من الشفاء.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتبة وناشرة إماراتية ومؤلفة لقصص الأطفال وروائية. حصلت على بكالوريوس تربية في الطفولة المبكرة ومرحلة ما قبل المدرسة والمرحلة الابتدائية، في عام 2011 من جامعة زايد بدبي. قدمت لمكتبة الطفل أكثر من 37 قصة، ومتخصصة في أدب اليافعين

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"