الهُوية مجموعة هويات

02:24 صباحا
قراءة دقيقتين
د. حسن مدن

يحمل كل فرد، وبدون استثناء، مجموعة هويات في الآن نفسه.
يبدأ هذا التعدد في التقسيم الطبيعي للبشر بين نساء ورجال، فيحمل الكائن البشري، تبعاً للجندر الذي إليه ينتمي، واحدة من هويتين، إما ذكورية وإما أنثوية، وتنداح دوائر هذا التنوع في الهويات ليشمل الديانة أو المذهب الذي يرثه الفرد من والديه وعائلته، فيصبح مسلماً أو مسيحياً أو يهودياً أو بوذياً وما إلى ذلك.
وفي إطار الديانة الواحدة يجد المرء نفسه، وكما في حال الديانة، دون إرادته، وقد ورث الانتماء إلى مذهب والديه وأجداده، تبعاً لتعدد المذاهب في الديانة نفسها، أكانت مسيحية أم إسلامية أم يهودية وغيرها أيضاً.
حين يكبر بعض الشيء سيجد المرء نفسه متعلقاً بالمدينة أو البلدة التي ولد أو نشأ فيها، فينسب إلى هذه المدينة أو تلك البلدة، وما أكثر البشر الذين يحمل لقبهم العائلي اسم المدينة أو المنطقة التي ينتمون إليها، حين يصادفنا الكثيرون ممن يحملون لقب الشامي والحلبي والإسكندراني والطرابلسي والصيداوي والمسقطي والكويتي.. إلخ.
لكن تجمع بين الحلبي والشامي هوية أخرى أشمل هي الهوية السورية، وبين البيروتي والصيداوي الهوية اللبنانية، وبين الإسكندراني والقاهري الهوية المصرية، وبين المنامي والمحرقي والستراوي الهوية البحرينية.
هذا على مستوى المدن والمناطق، وهو يصح أيضاً في حال تعدد الانتماء الديني أو الطائفي، فلبنان يجمع بين الماروني والأرثوذكسي والمسلم السني والمسلم الشيعي، ومصر تجمع بين المسلمين والأقباط. ويصح أيضاً في حال تعدد الأعراق، فالعراق يوحد العرب والأكراد والآشوريين والأيزديين، وكل من المغرب وتونس والجزائر تجمع بين الأمازيغيين والعرب.
ليس تنوع وتعدد الهويات عامل تمزق أو تشرذم حين تكون الهوية الوطنية الجامعة قائمة على أسس من الرحابة والتسامح ومبادئ المواطنة المتكافئة في الحقوق والواجبات، والنابذة لكافة أوجه التمييز والمحاباة، ضد أو لصالح أبناء هوية بعينها من مجموع الهويات التي يتشكل منها المجتمع المعني، حتى لو كان المنتمون لهذه الهوية يشكلون الأغلبية الساحقة في المجتمع، فهذا «الامتياز» لا يمنحهم الحق، أو بالأحرى يجب ألا يمنحهم الحق، في أن يعطوا لأنفسهم امتيازات يُحرم منها الآخرون من المنتمين إلى الهويات الفرعية في المجتمع نفسه، مهما كان عدد هؤلاء صغيراً.
آفتان تهددان المجتمعات بالتفكك حين نقارب الموضوع من زاوية العلاقة بين الهويات. الآفة الأولى هي «تغول» الهوية، بمعنى أن تمنح هوية معينة صادف أن مقاليد السلطة آلت إلى أفراد منها في ظروف تاريخية معينة، لنفسها امتيازات وسلطات، تضعها في حالات كثيرة في موضع المحتكر لها.
والآفة الثانية، وهي مرتبطة بالأولى أو ناجمة عنها، هي تشكل ما وصفه أمين معلوف بأصحاب «الهويات الجريحة»، الذين يعانون تغوّلَ أصحاب الهوية المهيمنة، ليس عددياً بالضرورة، وإنما عبر التحكم في السلطة والمال.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"