اللعب بنيران الشرق الأوسط

03:34 صباحا
قراءة 3 دقائق
عاصم عبد الخالق

الانتقادات الحادة التي وجهها السياسيون الأمريكيون لقرار الرئيس دونالد ترامب بالانسحاب من سوريا، وما صاحبها من صخب إعلامي، حرمت الرأي العام من التعرف إلى وجهة نظر العسكريين وتقديراتهم للعواقب الأمنية المتوقعة. أهم ما يستوقفنا عند مطالعة آرائهم هو أن ما يعتبرونه مجرد تحديات تواجه الأمن القومي لبلادهم، هو في الواقع كوارث حقيقية أو قنابل موقوتة تهدد الأمن القومي العربي. وستكون أخطارها المؤكدة على بلدان المنطقة أكثر ضرراً من تهديداتها المحتملة على الأمن الأمريكي.
اتخذ ترامب قراره دون فهم للطبيعة المعقدة لمشاكل المنطقة، والأوضاع في سوريا. دفعته حسابات انتخابية ضيقة وكأنه يبرم صفقة أو يخوض مباراة لا يعنيه سوى الخروج منها فائزاً، ودون أن يعي أنه يلعب بالنيران في منطقة ملتهبة بالفعل.
وقد لخص موقع «ديفينس وان» المعني بقضايا الدفاع وجهة نظر العسكريين في تقرير أعدته الباحثة كيتي دافيسون وهي كولونيل متقاعد في الجيش، وخبيرة في مركز دراسات الحرب الأمريكي. رصدت الباحثة عشرة تحديات أو مخاطر نتيجة للقرار. التحدي الأول هو أن القوات الأمريكية ستصبح أقل قدرة على الاستهداف الناجح والسريع للإرهابيين في سوريا. كما أن عدم وجود قواعد أرضية لها سيحرمها من قدر مهم من المعلومات الاستخبارية.
التحدي الثاني هو عودة داعش بعد فرار الآلاف من قادة وكوادر التنظيم من السجون التي كان يسيطر عليها الأكراد في سوريا. وإذا كان ظهور التنظيم للمرة الأول استغرق ثلاثة أعوام بعد هزيمة القاعدة في العراق، فإن إعادة تشكيله لا تحتاج سوى لأشهر قليلة. القاعدة أيضاً ستضمد جراحها لاستئناف نشاطها وهو التحدي الثالث. ووفقاً لتقديرات عسكرية فإن لها نحو 30 ألف مقاتل ومتعاون في إدلب.
مما يزيد الوضع سوءاً أن تركيا التي أصبحت لها اليد الطولى في الشمال السوري لن تهتم بمحاربة التنظيمين، وليس لديها دوافع حقيقية للدخول في مواجهة مكلفة معهما، وستترك هذه المهمة لغيرها. وهذا هو التهديد الأمني الرابع. فيما يتمثل الخامس في بقاء قواتها لوقت طويل في سوريا لعدم وجود من يريد أو يستطيع مواجهتها عسكرياً؛ الأكراد وبعد تخلي واشنطن عنهم أصبحوا أضعف من التصدي لها، نفس الأمر بالنسبة للقوات النظامية السورية.
وليس لإيران مصلحة في محاربة تركيا التي لا يمثل وجودها في سوريا تهديداً للوجود العسكري الإيراني. أما روسيا فلديها مصالح عسكرية واقتصادية ضخمة معها لن تضحي بها، وما يعنيها في المقام الأول هو ألا يقع صدام بين القوات التركية والسورية.
ثمة كابوس آخر وهو التحدي السادس، وهو احتمال تجدد الحرب الأهلية في سوريا على ضوء دعم تركيا لقوات الجيش السوري الحر المعارض ومن ثم تشجيعه على استئناف عملياته.
ولا يمكن تجاهل المسألة الكردية التي ستصبح أزمة إقليمية متفاقمة. ومن الطبيعي أن يقتنع الأكراد بعد الخيانة الأمريكية أنه لا سبيل لتحقيق أحلامهم القومية سوى بالسلاح. هذا يعني موجة عنف تنتظر تركيا والعراق وسوريا وإيران حيث يتوزع الأكراد، وذلك هو التحدي السابع.
وستكون الجبهة العراقية هي محور التحدي الثامن على ضوء استمرار التظاهرات وعدم الاستقرار الأمني مما يزيد من فرص تدخل إيران لدعم الحكومة من ناحية، وتعزيز وحماية مصالحها من ناحية أخرى. والأرجح أن يؤدي التدخل الإيراني إلى تأجج الاحتجاجات وبالتالي تقوض الاستقرار.
يبقى تحديان، أحدهما وهو التاسع يتعلق باحتمال الصدام بين إيران و«إسرائيل». ذلك أن انسحاب أمريكا سيشجع إيران على إرسال المزيد من الأسلحة والمقاتلين إلى سوريا وهو ما ستتصدى له «إسرائيل» التي ظلت تتجنب التوسع في مهاجمة أهداف إيرانية في سوريا والعراق تحاشياً لتعرض القوات الأمريكية لهجمات انتقامية من وكلاء إيران. ويظل التصعيد محتملاً في كل الاتجاهات إذا قررت إيران الرد بصورة مباشرة أو غير مباشرة.
أخيراً تبقى روسيا المستفيد الأكبر من الانسحاب الأمريكي وهي محور التحدي العاشر. ولن يغيب عنها استثمار خيانة واشنطن للأكراد لتسويق نفسها كحليف أمني يمكن الاعتماد عليه والوثوق في وفائه.
إنه ترامب الذي يضر بحلفائه بقدر ما يخدم أعداءه.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"