«كورونا».. رؤى لا مسؤولة

03:21 صباحا
قراءة دقيقتين
يحيى زكي

أصبح فيروس «كورونا» ساحة نناقش من خلالها مختلف القضايا، فهنا بإمكاننا أن نقرأ عن قرى ومدن من صفيح تخلو من المياه النظيفة، وبالتالي لا تستطيع مواجهة الفيروس، وهناك من يتحدث عن عمال «اليومية» في البلاد الفقيرة، وكيف أصبحوا عرضة للتشرد والضياع، فضلاً عن تقارير ترصد خطورة الفيروس في مخيمات اللاجئين. ومن يتطرق إلى ازدياد معدلات العنف المنزلي أو من يشير إلى ضرورة الدعم النفسي الذي يحتاج إليه البعض في ظل دعوات البقاء في البيت.. وغيرها العشرات من الأخبار والقصص الصحفية التي حمّلت «كورونا» كل شيء.
ليس هذا وحسب، بل أصبح الفيروس مرشدنا إلى المستقبل، في ظل الكثير من التنبؤات والرؤى التي بدأت تتحدث عن العالم ما قبل «كورونا»، والعالم ما بعد «كورونا». وجدنا الفيروس يعيد تشكيل الأفكار السياسية، والاقتصادية والاجتماعية، ونسينا جميعاً أمرين في غاية الأهمية، الأول أن المعالجة على هذا النحو تزيد من معدلات القلق والتوتر والغموض، بل تؤدي إلى الهلع والخوف، وفارق كبير بين الحذر والاحتياط ووقاية الإنسان والمجتمع، أي أن تكون الكلمة الفصل للعلم والأطباء ووزارات الصحة، لا أن نجد «كورونا» أمامنا في كل مكان، حيث يتحدث الجميع حوله: الكتاب.. مؤثرو مواقع التواصل.. الفنانون.. وكل من يبحث عن دور أو مكان تحت الشمس.. الفضائيات التي يحلو لها الآن بث الأفلام التي تتناول الأوبئة: درامية ووثائقية، حتى تحول الفيروس نفسه أو تعاملنا معه على وجه الدقة إلى فيلم خيال علمي أمريكي.
الأمر الثاني يتمثل في سؤال: هل كنا نعيش في جنة حتى جاء «كورونا» وأخرجنا منها؟ وهل كل التغييرات التي يتوقعها البعض هي نتيجة للفيروس؟
إن مختلف المشاكل الاجتماعية والاقتصادية وجدت دائماً على مدار التاريخ، فهناك الآلاف الذين يموتون جوعاً، والملايين الذين بدورهم يعيشون في أماكن تفتقد أدنى الشروط الآدمية، وحالات العنف المنزلي والجرائم والطلاق كنا نقرأ عنها كل يوم، وربط كل هذا بالفيروس توجه غير مسؤول.
أما توقع تأثير الفيروس في تشكيل الخريطة العالمية المقبلة، فرؤية تتجاهل أن هذه الخريطة نفسها ومنذ سنوات تتغير بالفعل، فلا نهاية لكتب ودراسات وندوات عن مأزق الليبرالية الغربية، وليس معنى هذا الخيار الآخر الذي تتعدد إشكالياته أيضاً، والأزمة الاقتصادية قائمة بدرجات متفاوتة وبأشكال مختلفة منذ عام 2008، وقضايا المناخ و الهجرة وحقوق الإنسان مؤجلة دوماً ولم يصل فيها المجتمع الدولي إلى حلول ناجعة.
لا توجد حروب أو أوبئة أو كوارث تؤدي إلى تغير دراماتيكي من دون عوامل وأسباب كامنة في العمق، تجاهلناها طويلاً، والآن نلقي بعبء مسؤوليتها على «فزاعة» تسمى «كورونا».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"