اختبار مغربي ناجح

03:10 صباحا
قراءة 4 دقائق
فيصل جلول
تدور في المغرب الأقصى لعبة انتخابية لم تسلط عليها أضواء كافية بعد. ذلك أن الاهتمام المتعلق بنتائج ما يسمى ب «الربيع العربي»، مازال محصوراً بالبؤر التي أثارها ولم تستقر على حال بعد في ليبيا والعراق وسوريا واليمن، علماً أن التجربة المغربية أتاحت بقدر من الذكاء المشترك من السلطة والمعارضة تجنيب المغرب ما ليس بحاجة إليه، دون أن يعني ذلك أن البلدان الأخرى، تحتاج إلى المآسي التي انتشرت فيها.
الانتخابات النيابية المغربية الأخيرة شكلت اختباراً للصيغة التي صنعها الملك محمد السادس مع المعارضة المغربية البرلمانية، إن جاز التعبير، وهي الأكثر تمثيلاً للشارع المغربي. وقد اجتازته بنجاح يحتاج بعد لتشكيلة حكومية ميسرة.
تفيد نتائج الانتخابات أن حزبين قد حصلا على النسبة الكبرى من أصوات الناخبين، وأعني بذلك «حزب العدالة والتنمية» بزعامة رئيس الحكومة عبدالإله بن كيران الفائز ب 125 مقعداً بزيادة 18 مقعداً عن انتخابات عام 2011. وحزب «الأصالة والمعاصرة» الذي أسسه فؤاد عالي الهمة فقد فاز ب 102 مقعد، ما يعني أن بوسع الحزبين فقط لو رغبا لأمكنهما تشكيل الحكومة وتوفير التغطية البرلمانية اللازمة لها، علما أن الحزبين يتصارعان ويتنافسان على كل صعيد، بل إن أطرافاً في حزب بن كيران لم تتردد بالقول، إن وجود حزب «عالي الهمة» يضعف الديمقراطية في المغرب.
واللافت أن الأحزاب الراديكالية قد تعرضت للتهميش البرلماني إن جاز القول، وبخاصة التيار الذي يطالب بالملكية الرمزية على الطريقة البريطانية أو البلجيكية ممثلاً ب «فيديرالية اليسار الديمقراطي» التي تتزعمها الدكتورة نبيلة منيب. في حين رفضت «جماعة العدل والإحسان» التي أسسها الشيخ عبدالسلام ياسين المشاركة في الانتخابات، وتفترض الحركة ضمناً من خلال خطبها وتصريحاتها، أن نسبة الاقتراع التي بلغت أكثر بقليل من 40 في المئة من نسبة المسجلين، تضع الغائبين عن التصويت في خانتها أو الأكثرية منهم. علماً أن الجماعة رفضت المشاركة في الانتخابات الماضية عام 2011 وفي الانتخابات الحالية؛ لأنها ترفض الدستور الذي تم التوافق عليه بعد أسابيع قليلة من حركة «الربيع العربي»، وبالتالي لا حاجة للانخراط في لعبة برلمانية لا تنمح البرلمانيين سلطة القرار.
وإذا كان مفهوماً أن تحمل جماعة «العدل والإحسان» على الدستور لتفسر رفضها المشاركة في اللعبة الانتخابية، فإنها لا تصف بدقة التعديلات الدستورية التي حصلت في العام 2011 والتي حصرت تعيين رئيس الحكومة بالحزب الذي يحتل المرتبة الأولى بنتائج الانتخابات البرلمانية ولا يتيح الدستور إقالته إلا عبر حل البرلمان وهذا تعديل مهم يحمي رئيس الحكومة من العزل العشوائي ويتيح أمامه هامشاً كبيراً للمناورة، قد لا يكون على قدر ما يشتهي راديكاليو اليسار العلماني والسلفي إلا أنه يوفر مساحة للمشاركة في الحكم يحترمها الملك ولا تتجاوزها المعارضة الحاكمة إن جاز القول.
إن المراقب لتجربة الحكم خلال السنوات الماضية يمكنه أن يلاحظ أن الطرفين قدّما تنازلات لحماية مساحة الحكم المشتركة، فمن جهة الحكومة بادر بن كيران إلى رفع الدعم عن المواد الأولية وهي خطوة ليبرالية يخشى حزب شعبي من تبنيها تحت طائلة المس بنفوذه وبالتالي تحتاج إلى جرأة وتضحية مهمة. وفي السياق نفسه أوضح دستور العام 2011 أن السيادة في المغرب هي حق مكتسب للشعب المغربي ما يعني أن التمثيل الشعبي لا يعلوه تمثيل آخر، وهذا تطور مهم ربما استدعى أن يعلن حزب العدالة والتنمية انسحابه من جماعة الإخوان المسلمين التي يتعارض الانتماء إليها مع الدستور الذي أتاح هذه التجربة غير المسبوقة في تاريخ المغرب الأقصى.
يبين ما تقدم أن لدى الطرفين إرادة ونية واضحة باحترام مساحة الحكم المشتركة، التي أتاحت للمغرب النجاة من حريق «الربيع العربي» وأعادت تنظيم الحياة السياسية في البلاد بطريقة براغماتية برهنت حتى الآن عن جدواها لجميع المشاركين بها.
ما من شك في أن حزب «العدالة والتنمية» يشارك في الحكم ليس بوصفه حزب الأغلبية البرلمانية وإنما الحزب الأول في التمثيل البرلماني، الأمر الذي يفرض عليه البحث عن الشراكة سواء مع «الأصالة والمعاصرة» المقرب من المخزن أو المحسوب عليه، أو الأحزاب التقليدية وبعضها ممتد من فترة ما قبل الدستور الجديد أو الأحزاب الراديكالية وهي ضعيفة التمثيل.
إن حاجة «العدالة والتنمية» إلى الائتلاف تغلب منهج المساومة والحاجة إلى التفاوض وإلى الإقناع والبحث عن المصلحة المشتركة وهذا عنصر مهم في عمل أية حكومة ويحتاج إلى صبر وإتقان فنون المناورة المختلفة، الأمر الذي تفصح عنه تجربة السنوات الخمس الماضية.
بيد أن تمثيل العدالة والتنمية للطبقة الوسطى يفترض برنامجاً حكومياً مفيداً لها، الأمر الذي لا يستدل عليه بوضوح خلال تجربة السنوات الخمس الماضية، ولعله يفسر بين أشياء أخرى تدني نسبة الإقبال على صناديق الاقتراع، والراجح أن التجربة المقبلة قد لا تحمل معها وعوداً أفضل، ما دام شعار السيد بن كيران لتشكيل الحكومة الجديدة هو التنمية وترشيد الإنفاق العام. أما التنمية فتحتاج نتائجها للظهور سنوات طويلة، في حين ينعكس ترشيد الإنفاق العام تقشفاً لا تطيقه الطبقة الوسطى وقد لا تطيقه كل الطبقات.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"