هكذا تكلّمت الثقافة

03:20 صباحا
قراءة دقيقتين
عبد اللطيف الزبيدي

كيف يمكن التخلّص من مغناطيس خاتمة عمود الأمس: «ما موقف ثقافة العرب من العرب؟»، تخيل أن تقول لنا ثقافتنا بتوبيخ: لقد أعطيتكم ترسانة من روائع الفخر والكرامة والعنفوان والطموح إلى الذرى، ولكنكم لم تتخيّروا الصالح من بذورها فتزرعوا وتتعهدوا وترعوا.
ماذا لو أضافت: إن دخول العصر لا يعني الإلقاء بالميراث في سلة المهملات. لا بدّ من منصة انطلاق، وهذه هي تلك اللبنات السيادية الأساسية، الفخر والكرامة والعنفوان والطموح إلى العلياء. إنها بلغة اليوم: الوطنية والسيادة الترابية والقوة والمنعة الاستقلالية، وإعداد الحاضر للمستقبل.
مقومات حياة الشعوب والبلدان، لا تتغير عبر العصور؛ مبادئها ومضامينها هي هي. لا يمكن أن يأتي عصر تقضي فيه المثل العليا بتسليم مفاتيح البلدان للغزاة، ويصبح فيه الإعداد والاستعداد للدفاع عن الأوطان خيانة عظمى، وبدلاً من «وأعدّوا لهم» يوصي الحكماء بالحكمة المضادة: استقبلوا الجيوش الغاصبة بالأحضان، دعوهم يُذبِّحوا ويقتِّلوا ويتآمروا على كل الشعوب الشقيقة، واشكروا سعيهم بالتطبيع؛ لأنهم أصدقاء اليوم وأشقاء الغد، حتى ولو أهانكم أحد زعمائهم بقوله: «منا العقول ومنكم المال واليد العاملة».
ماذا لو سألت: من أين أتيتم بثقافة حياتكم اليوم؟ أليس التراث العربي تراثكم؟ أنتم إذاً منسلخون من قدمائكم، ولا تدرون أن سبب عجزكم عن الحضور في حاضركم، هو انعدام الجسر الذي يربطكم به، ولهذا أنتم لا تمتلكون أيّ تصور لمستقبلكم. هل فيكم كثرة أو قلّة تعرف كيف سيكون العرب بعد عقدين أو ثلاثة، أما عن الخمسين سنة المقبلة، فأساطير الآخِرين.
أنتم لا تخيفكم مفاجآت المجهول. هل خطر ببال عقلائكم ما الذي سيحدث للعالم العربي إذا صارت تحولات العلوم والتقانة معقدة إلى الحدّ الذي يجعل مجرّد استخدام الوسائل والأدوات في الحياة اليومية، محتاجاً إلى مهارات عالية؟ هل فكّروا في المعضلات التي ستواجهها المجتمعات المتخلفة، يوم تصبح العلوم والتقانة والذكاء الاصطناعي تتحكم في كل تفاصيل حياة الناس؟
ما هي الطاقات الابتكارية الاختراعية الإبداعية الإنتاجية التي ستكون مستقبلاً، للشعوب التي لا تحظى اليوم حتى بمناهج دراسية حديثة تواكب التطورات، ودولها خالية تماماً من مراكز البحث العلمي؟
لزوم ما يلزم: النتيجة التحذيرية: فكّروا جيداً، فالمسافة التي تفصلكم عن الغرب اليوم ستكون أضعافاً مضاعفة عن الصين بعد ثلاثة عقود.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"