«كورونا» والقراءة

04:37 صباحا
قراءة دقيقتين
د. حسن مدن

لا نعلم إلى أي مقدار ساهمت ظروف الحجر المنزلي الراهنة التي يعيشها الكثيرون في زيادة نسبة القراءة، بسبب فائض الوقت الذي أصبح متاحاً، فالأمر يحتاج إلى تقصٍ أو استطلاعات موثوقة؛ لكن حكماً مما أسمعه أو أقرأه على صفحات الأصدقاء والمعارف، لاحظت أن الإقبال زاد على مشاهدة الأفلام والمسلسلات، لا على القراءة. وأصبحت «نيتفلكس» البطل المتوج، الذي إليه يلجأ الماكثون في بيوتهم؛ لمتابعة ما يعرض عليها.
على «نيتفلكس» بوسع المشاهد أن يتابع عدة حلقات متواصلة من مسلسل شهير، فهو ليس مضطراً لمشاهدة حلقة واحدة كل يوم، كما هو الأمر في التلفزيون، وثمة ميزة أخرى أنه لا إعلانات تجارية تقطع بث الحلقات، ولا وقفات لإذاعة نشرة الأخبار كل ربع أو نصف ساعة، فيجد المشاهدون أنفسهم مندمجين في تتبع أحداث ما يشاهدون دون توقف أو استراحة.
مع ذلك قال بعض الأدباء والمثقفين إنهم وجدوا في ظروف الحجر المنزلي فرصة لقراءة كتب ضخمة تقع في مئات الصفحات، وهو ما كان متعذراً في ظروف انشغالاتهم قبل الجائحة، وكانوا يمنون النفس بأن يفعلوا ذلك يوماً ما، فأتت المستجدات؛ لتسعفهم في تحقيق ما تمنوه.
هل تغيّر الأمر بالنسبة للجمهرة الواسعة من الناس؟ أي هل استقطبت القراءة جمهوراً جديداً غير ذاك الذي كان لها قبل الجائحة؟
يبقى السؤال قائماً، خاصة مع توقف معارض الكتب السنوية في كل بلدان العالم، فيما لجأت بعض دور النشر إلى تسويق إصداراتها عبر الإنترنت، مقدمة خدمة التوصيل إلى المنازل إما عبر البريد أو حتى بالتوصيل المباشر، لتعوض، ولو جزئياً، عن خسائرها بسبب توقف المعارض.
حسناً، طالما نحن في أجواء القراءة، وأنا من الحاثين عليها دائماً، فالأمر لا علاقة له بظروف الجائحة، فالقراءة مطلوبة في كل الأحوال؛ لأنها تفتح الآفاق نحو المعرفة كما لا تفعل أية وسيلة أخرى، دعوني أبسط لكم نصيحة كاتب؛ لكنه قبل ذلك قارىء هو القدوة في هذا المجال، فما أكثر من تتلمذوا على كتبه، وأرشدتهم نصائحه إلى الطرق النيّرة، وأعني به الكاتب التنويري الكبير سلامة موسى.
في مقالٍ له بعنوان: «عادة القراءة»، حواه كتابه «فن الحياة» يفرّق سلامة موسى بين القراءة المُنيرة المنبهة والقراءة المظلمة المُخدّرة. كأنه يقول إن العبرة ليست في القراءة بحد ذاتها، وإنما فيما نقرأ، فالبعض، برأيه، يشتري الكتب والمجلات كما يشتري «اللب» للتسلية وقت الفراغ، وهناك مؤلفون زودوا السوق بكتب «تُبنج» العقل، لا تُحرره.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"