حين يستغرق أحدنا في التفكير، وتتنازعه الهواجس ويغرق في تأمل صامت، يقال له: ماذا حلَّ بك تضرب أخماساً لأسداد، أو أخماساً في أسداس . ومع الزمن أصبح هذا التعبير ذائع الشيوع خاصة في استخدامات المحادثة اليومية بين عامة الناس حين يريدون التعبير عن الحيرة والاضطراب والتردد حيال أمرٍ من الأمور .
لكن ما الأخماس، إذاً، وما الأسداس؟
يقال: إن أصل هذا التعبير بدوي . وإن له قصة بين الأعراب، أضحت في ما بعد مثلاً . حيث يروى أن شيخاً كان له أولاد يرعون إبله، ولهؤلاء الأولاد أهل في موضع غير موضع أبيهم، فطال اشتياقهم للأهل، ورغبوا في زيارتهم والمكوث عندهم على نحو ما كانوا يفعلون عادة .
وجرت العرب على أن يُعوُّدوا الإبل أن تظمأ أياماً قبل السفر، حتى إذا اندفعت في السير صبرت على الظمأ . وكانت الناس تتفاوت في اختيار عدد الأيام التي تظمأ فيها الإبل، فمنهم من يظمئها أربعة أيام ويسمون ذلك الربع، ومنهم من يظمئها خمسة أيام ويسمونه الخمس، ومنهم من يظمئها ستة أيام ويسمونه السدس .
وفي تتمة الحكاية أن الأب الشيخ قال لأولاده: ارعوا الإبل ربعاً، فذهبوا بها نحو أهلهم، ولما عادوا طلبوا إلى أبيهم أن يدعهم يرعون الإبل خمساً، ثم زادوها، وقالوا: لو رعيناها سدساً . ففطن الأب إلى أنهم يطيلون في عدد الأيام لا رغبة في رعي الإبل وتعويدها على الظمأ، بل لكي تتاح لهم فرصة زيارة أهلهم مدة أطول، فقال لهم : ما أنتم إلا ضرب أخماس لأسداس .
وصار هذا المثل يضرب لمن يُظهر أمراً ويُبطن غيره، ولمن يسعى في المكر والخديعة، ولمن يراوغ في الكلام . لكن في بعض استخداماتنا اليومية للمثل قد نعني به وقوع الإنسان في الحيرة وتردده في اتخاذ ما هو مناسب من القرارات .
ومن النادر أن نجد إنساناً صافي الذهن من هذا الحساب، أخماساً في أسداس، في مواجهة مفاجآت الحياة وتقلباتها، أما حين يتصل الأمر بإظهار أمر وإبطان غيره عند الناس، فحدث ولا حرج، سواء أجرى الأمر عند الأفراد، أو عند الجماعات، خاصة من تمتهن منها السياسة، على نحو ما أرتنا وترينا دنيا السياسة العربية، أو حتى عند الدول، خاصة الكبيرة والمقررة منها، والشواهد أكثر من أن تحصى .