«مثقفو» التطبيع

04:02 صباحا
قراءة دقيقتين
د. حسن مدن

ما الذي يبقى للمثقف العربي من صفة «المثقف» حين يصبح داعية للتطبيع مع «إسرائيل» ومُنظراً له، وفي بعض الحالات يتحول إلى إحدى قاطراته، وفي هذا الوقت بالذات الذي تبلغ فيه الهجمة اليهودية الأمريكية على الحق الفلسطيني واحدة من أكبر ذراها، حيث تتوالى القرارات الأمريكية و«الإسرائيلية» بغاية التصفية النهائية للقضية الوطنية للشعب الفلسطيني، وطي صفحة أية تسوية منتظرة، حتى لو كانت غير عادلة، فلم يعد الهدف فرض تسوية مشينة على الفلسطينيين، وإنما تصفية قضيتهم من أساسها.
في وقتٍ مثل هذا بالذات، يتعين على المثقف، حتى لو كان يحمل ذرة واحدة من المسؤولية أمام ضميره، أن يحذر من الخطر المحدق، وأن يؤدي دوره في استنهاض الهمم، لا إحباطها، وأن يؤكد نصرته لشعب شقيق أعزل تكالبت عليه كل قوى الشر، لكنه لم ولن يركع.
لم تعد القضية فردية للأسف الشديد، وإنما باتت تشمل أسماء كنا نحسبها وجوهاً في الثقافة العربية، فإذا بها تنزلق مسرعة إلى مستنقع لا تزيين التطبيع فحسب، وإنما ممارسته. سعد الدين إبراهيم انتقل من مقولة تجسير الهوة بين المثقف والسلطة، وهي التي فهمت في حينها على أنها دعوة لتخلي المثقف عن استقلاليته، ليروج، ومن «تل أبيب» مباشرة، لتجسير الهوة بين العرب وعدوهم، مغتصب أرضهم، قاتل أطفالهم ونسائهم ورجالهم، وسجان طلائع المكافحين من أجل الحق منهم.
ولم تمضِ أيام على تعبير السفارة «الإسرائيلية» في القاهرة عن سعادتها لما أدلى به من أقوال من وصفته بالمؤرخ يوسف زيدان عن «إسرائيل».
وقبل أسابيع قليلة تعالت أصوات بعض الكتاب بالتصريحات المخزية بأن قضية فلسطين لم تعد تعنيهم لأن أهلها فرطوا فيها. وهذا أمر يطرح قضية أخلاقية في المقام الأول حول مفهوم المثقف وحساسيته تجاه القضايا العادلة عامة، فما بالك بقضية شعب هو منا ونحن منه، كالشعب الفلسطيني، الذي لم يطلب من العرب أن يقاتلوا بالنيابة عنه على أرضه، فهو من يتحمل، وحيداً، هناك عبء الكفاح ضد المحتل، ويقدم من أجل ذلك أغلى التضحيات، وإذا كانت بعض القيادات الفلسطينية قد أخطأت البوصلة في بعض الأحيان، فالشعب الفلسطيني نفسه لم يخطئها أبداً، وها هي أرحام الفلسطينيات الصابرات، المتشبثات بالأرض تقدم أجيالاً من الشبان والشابات، ما إن يعوا الدنيا حتى تصبح أحجار المقاومة في أياديهم. ألا يكفيكم، يا دعاة الثقافة، نموذج عهد التميمي؟

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"