تجديد العقوبات على روسيا.. هل ينفع؟

04:02 صباحا
قراءة 4 دقائق
يواصل الغرب مناوراته مع روسيا، من خلال تمديد العقوبات الاقتصادية عليها، في مسعى للتأثير في حجم تدخلها في القضايا الدولية، في محاولة يائسة لتقليم أظفار الدب الروسي، ومنعه من اكتساب مناطق نفوذ في غابة دولية شديدة التنافس، بين قوى دب فيها العجز والشيخوخة وقوى أخرى صاعدة تريد أن تحتل لها مربّعاً ثابتاً في تلك الغابة.
الرئيس الأمريكي الذي كان يقول خلال حملته الانتخابية إنه معجب بالرئيس الروسي، وإنه يرغب في إعادة العلاقات مع روسيا، وتجاوز مرحلة دبلوماسية أوباما، يوقع منذ أيام على قرار تمديد العقوبات على روسيا، ويجعل العلاقات بين البلدين في أخطر مراحلها حسب العديد من الملاحظين.

الكرملين رد على العقوبات الأمريكية بقرار سياسي شديد الخطورة يتمثل في طرد 755 دبلوماسياً يشتغلون في الأراضي الروسية، ما يعني تخفيض العلاقات الفعلية بين البلدين إلى مستويات دنيا.
وعلى الرغم من أن وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف حاول تلطيف قرار بوتين، من خلال إعلانه أن واشنطن مستعدة للحوار مع موسكو في عدة قضايا دولية، إلا أن مراقبين يرون أن الخطوة التي أقدم عليها بوتين تعني أن هناك رغبة روسية في فك الارتباط مع واشنطن، ومع الدول الأوروبية التي اتخذت ذات القرار، المتمثل في تمديد العقوبات الاقتصادية على روسيا، لمدة ستة أشهر، بسبب ما تراه أوروبا تدخلاً روسياً في الشأن الأوكراني، لكن نائب وزير الخارجية الروسي سيرجي ريابكوف كان واضحاً أكثر عندما قال إن «العقوبات الأمريكية الجديدة على موسكو لا تترك مجالاً لتحسين العلاقات في المستقبل القريب بل تأخذها إلى المجهول».
في واقع الأمر يمكن قراءة قرارات تمديد العقوبات على روسيا من عدة وجهات، لكنها تصب كلها في محاولة للتأثير في القرار السياسي الروسي، لكن ما يمكن ملاحظته، هو أنه كلما واصلت القوى الغربية برأسيها الأوروبي والأمريكي، في نهج العقوبات، كلما استفادت السياسة الروسية من ذلك، وازدادت رسوخاً في القضايا الدولية، دون أن ننسى أن تلك العقوبات الاقتصادية تؤثر سلباً في روسيا، حتى إن رئيس وزراء روسيا ديمتري مدفيديف وصفها بأنها «حرب تجارية شاملة على بلاده»، وأن آثارها ستبقى لعقود من الزمن.
لا يمكن لعقوبات اقتصادية على دولة ما، ألا يكون لها آثار مدمرة في مستويات التضخم وانهيار العملة المحلية، وتراجع دخل التجارة الخارجية، ويزداد الوضع سوءاً إذا كان المقاطعون هم أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، يعني أقوى القوى الاقتصادية العالمية، ولكن استمرار الحصار لثلاث سنوات، يثبت أن موسكو استوعبت الصدمة الأولى واستطاعت أن تتعايش مع ذلك الحصار وتجبر الدول المقاطعة على البحث عن منافذ لاختراق ذلك الحصار، وذلك ما تقوم به عدة دول أوروبية في محاولات فردية لتجاوز قرارات المجموعة الأوروبية.
الرئيس الفرنسي الجديد إيمانويل ماكرون، قال إنه يرغب في إرساء علاقات قوية مع موسكو، لكن ذلك لا يمكن إنجازه في ظل حصار اقتصادي تفرضه باريس ضمن المجموعة الأوروبية على موسكو، وإيطاليا تسعى منذ فترة إلى وضع حد للعقوبات الأوروبية وتعارض بشدة استمرارها. هذه الأوضاع تثبت أن موسكو تنجح في كسر جدار الحصار المفروض عليها، دون أن تتراجع قيد أنملة عن مواقفها الدولية.
في القضية السورية تجر موسكو خصومها إلى المربع الذي ترغب به، وهي تثبت للآخرين أنها كانت على صواب، عندما وقفت إلى جانب النظام السوري في مواجهة الجماعات المسلحة، ولم يكن غريباً أن تتواتر في الآونة الأخيرة التصريحات التي تدعو إلى قبول التفاوض السلمي لإنهاء الأزمة، وضمن شروط هذا التفاوض بقاء الرئيس بشار الأسد في منصب الرئاسة.
وعندما صنفت إدارة ترامب روسيا وإيران وكوريا الشمالية ضمن مربع واحد، من خلال استهدافها بعقوبات اقتصادية، فإنها أخطأت الهدف، لأن روسيا ردت على تلك الخطوة بالتصويت ب«نعم لفرض عقوبات على كوريا الشمالية» بسبب تجربتها صواريخ بالستية، ما دفع الرئيس الأمريكي إلى شكر موسكو على موقفها، ما يعني أنه وجد نفسه في «تسلل» سياسي، يؤكد حنكة موسكو.
العقوبات الاقتصادية على روسيا منذ إقرارها في العام 2014، إثر عملية ضم شبه جزيرة القرم إلى الأراضي الروسية، بعد أن كانت تحت سيطرة الدولة الأوكرانية، يتضّح أنها لا تحقق الأهداف التي اتخذت من أجلها، خاصة في مستوى تحجيم الفعل السياسي الروسي في الساحة الدولية؛ فبعد ثلاث سنوات ثبت أن ما من قضية دولية إلا وكانت موسكو مقصداً لقادة العالم وللطواقم الدبلوماسية، بل إن بعض الفترات من سنوات العقوبات الثلاث، جعلت موسكو والكرملين محجاً دبلوماسياً، تصدر منه القرارات والفتاوى في ما يجب أن يقع وما لا يجب أن يقع، والدول المقاطعة اقتصادياً، أكثر الدول التي تتشاور مع موسكو في القضايا الدولية، وهي التي تنتظر ما يقرره الكرملين حتى تتخذ مواقف مؤيدة أو رافضة.
سلاح العقوبات الاقتصادية الذي جرّب منذ ثلاث سنوات ضد موسكو، أعطاها حصانة، لأنه قوة اقتصادية فعلية، وعليه فإن الاستمرار في فرض تلك العقوبات، ليس سوى عناد سياسي لا طائل من ورائه، فليس من صالح الدول المقاطعة لروسيا تصعيد الوضع حتى يصل إلى حافة الحرب، وليس من مصلحة موسكو الاستمرار أيضاً في خلق توترات سياسية، يكون نتاجها أزمات اقتصادية عالمية تضرب الأغنياء والفقراء على حد السواء.


كمال بالهادي
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب صحفي وباحث في قسم الحضارة بجامعة تونس

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"