الخان الأحمر و«صفقة القرن»!

03:29 صباحا
قراءة 3 دقائق
عوني صادق

في وقت يغرق فيه الفلسطينيون في «فقه صفقة القرن»، يتحرك «الإسرائيليون» لتنفيذ بنودها، بضوء أمريكي أخضر بطبيعة الحال، فينتقلون في إطار تصفية «قضايا الحل النهائي» واحدة تلو أخرى، وبحيث لن يبقى شيء للحديث فيه عند إعلان «الصفقة»! فبعد إعلاني الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اعتبار القدس «عاصمة» للاحتلال، ونقله السفارة الأمريكية إليها، ثم إسقاط «قضية اللاجئين وحق العودة»، وأخيراً تم التأكيد على بقاء المستوطنات القائمة، ووصلوا إلى «قضية الحدود». وما حملة التطهير العرقي الجارية في منطقة الخان الأحمر إلا تعبير عن ذلك، وصولا إلى الأغوار الشرقية والحدود مع الأردن.
الخان الأحمر واحد من 46 تجمعاً بدويا في مناطق الضفة الغربية والقدس المحتلتين تسعى سلطات الاحتلال لإزالتها بهدف تنفيذ المشروع الاستيطاني المعروف باسم (إي 1)، الذي يهدف بدوره إلى تفريغ المنطقة المحيطة بالقدس وفصل شمال الضفة عن وسطها وجنوبها لتوسيع مستوطنة (معاليه أدوميم)، وتكون بذلك قد استولت على آلاف الدونمات الجديدة من الأرض لتصل إلى الأغوار والحدود مع الأردن، وهو أمر حظي بإجماع كل القيادات «الإسرائيلية» منذ سبعينات القرن الماضي.
ومنذ 2009، يخوض سكان الخان الأحمر معركة ضد اعتداءات المستوطنين ومحاولات الهدم التي يتعرضون لها. وفي أغسطس الماضي، أعلن وزير الحرب أفيغدور ليبرمان عن نيته هدم المنطقة وتهجير سكانها، وفي نهاية أيار الماضي رفضت المحكمة العليا «الإسرائيلية»آخر الالتماسات التي قُدّمت لها لمنع الهدم وقالت إنها «لا ترى ما يمنع الإزالة»! وتحت ضغط المواجهات التي تمت الأسبوع الماضي والاحتجاجات الدولية التي وصلت إلى مناشدة من الأمين العام للأمم المتحدة، أجلت المحكمة التنفيذ حتى «يُبت في الالتماس».
لقد منع جيش الاحتلال في 5 الجاري وصول دبلوماسيين أوروبيين إلى الخان الأحمر للتعبير عن تضامنهم، بحجة أنها «منطقة عسكرية مغلقة». ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن بيار كوشنار، القنصل الفرنسي في القدس المحتلة قوله: «أردنا أن نظهر تضامننا مع هذه القرية»، وأضاف: «هذا انتهاك واضح جداً لاتفاقية جنيف الرابعة التي تحدد التزامات قوات الاحتلال في الأراضي المحتلة»، معتبراً أن هذا القرار يعقّد إلى حد كبير عملية البحث عن السلام على أساس دولتين، وكأنه بعد كل الإجراءات بقيت فرصة ولو ضئيلة ل «عملية السلام» أو «حل الدولتين»! من جهتها، طالما زعمت السلطات «الإسرائيلية» أن قرية الخان الأحمر بنيت بطريقة غير قانونية، متناسية أنه لا يحق لها الحديث عن القانون، وهي التي منعت البناء القانوني! ويذكر أن الخان الأحمر تسكنها عائلة «الجهالين» البدوية منذ طردتهم العصابات اليهودية من النقب العام 1948، وبعد 1967 حاولت مرات أن تنقلهم إلى مناطق أخرى خارج محيط مدينة القدس. وفي السنوات الأربع الأخيرة، ضاعف لوبي المستوطنين في الكنيست جهوده لتنفيذ أوامر الهدم لتوسيع مستوطنة (معاليه أدوميم). ويبين تقرير لصحيفة (هآرتس) في أيار الماضي أن المخطط الاستيطاني الجديد يمتد على 145 دونماً، وهو جزء من مخطط أكبر لبناء 322 وحدة سكنية على 660 دونماً.
وفي غضون ذلك، دعت القوى الوطنية والإسلامية في محافظة رام الله، السبت الماضي، جماهير الشعب الفلسطيني للرباط وكسر الحصار عن الخان الأحمر، والتظاهر قبل حلول موعد بت المحكمة «الإسرائيلية» العليا في التماس السكان والذي يحل يوم 11 الجاري.
ومن نافل القول إنه حتى لو تم التأجيل مرة أخرى، فلن يتغير في المخطط الموضوع شيء، وسيظل هدف هدم الخان الأحمر وترحيل سكانه قائماً. لقد أصبح الأمر في غاية الوضوح، والوقت ينفذ ولم يعد مجدياً الاتكال على (الخارج) لوقف «الجريمة المنظمة» التي تنفذها سلطات الاحتلال، ليس في الخان الأحمر أو التجمعات البدوية الأخرى وحسب، بل في كل الأراضي الفلسطينية المحتلة. إن هذا العدو الشرس، المستند إلى العنف والقوة، غير المعترف لا بالقوانين الدولية ولا بالقوانين الإنسانية، لن يتنازل عن ذرة من أطماعه إلا بنفس الطريقة التي يستعملها في تحقيق هذه الأطماع، أي بالقوة. ولسنا في حاجة إلى القول إنه ليس المطلوب الآن تحرير فلسطين، ولكن المطلوب منع المجرمين من تصفية القضية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"