الفلسطينيون وآخر المعارك السياسية

03:31 صباحا
قراءة 4 دقائق
حافظ البرغوثي

أفق سياسي مسدود، هذا ما اصطدمت به القيادة الفلسطينية في السنوات الأخيرة وزاد الانسداد في السنة الأخيرة عندما حاول الأمريكيون إحداث اختراق في جدار التعنت «الإسرائيلي» من دون جدوى، وألقى الأمريكيون الكرة في الملعب الفلسطيني مطالبين بالعمل لوقف الغضب الجماهيري ضد الاحتلال الذي تفجر في القدس الشريف رداً على الانتهاكات «الإسرائيلية» في المسجد الأقصى، وعدم الانضمام إلى المزيد من المنظمات الدولية، وعدم تقديم ملفات إلى المحكمة الجزائية الدولية، وأيضاً عدم اللجوء إلى الأمم المتحدة والإبقاء على السلطة قائمة.

هذا يعني إعفاء «إسرائيل» من أية مسؤوليات تجاه الفلسطينيين والقتل اليومي والاستيطان والتنكر لحل الدولتين، بل ذهب مسؤولون «إسرائيليون» إلى أبعد من ذلك في الأيام الأخيرة، وتحدثوا عن اتصالات تتجاوز الفلسطينيين لإيجاد تسوية إقليمية للصراع الفلسطيني - «الإسرائيلي» وليس الصراع العربي - «الإسرائيلي». ورغم أن رئيس وزراء «الكيان» بنيامين نتنياهو رفض تصريحات الوزير الأمريكي جون كيري التي حذر فيها من تحول «إسرائيل» إلى دولة ثنائية القومية غير ديمقراطية مثل نظام جنوب إفريقيا سابقاً، فقد لجأ نتنياهو إلى تأييد حل الدولتين إعلامياً فقط، وعلى أرض الواقع يمارس العكس من حيث الاستمرار في سياسة البناء الاستيطاني.
وكان نتنياهو في قمة المناخ في باريس حاول الحديث عن إنجاز دبلوماسي باتصالات مع قادة عرب لكن المحللين «الإسرائيليين» سخروا من ذلك، بسبب سياساته التي أدت إلى عزلة «إسرائيل» دولياً، ولن تنفعه اتصالات عابرة، وهو قال سابقاً إنه يحاول إيجاد حل إقليمي لإحلال السلام مع دول المنطقة، لكنه لم يشر إلى الفلسطينيين كطرف وكأنه يتجاهل وجودهم، وعلى خطاه تحدث رئيس حزب «هناك حدود» يائير لبيد عن ضرورة عقد مؤتمر دولي في عاصمة عربية لتخليص «إسرائيل» من الفلسطينيين وإخراجهم من الحياة «الإسرائيلية».. وهو هنا يتحدث كما لو أن الفلسطينيين يحكمون «الإسرائيليين» ويحتلونهم وليس العكس.
ذهبوا جميعاً نحو تهميش الفلسطينيين، فرئيس المعسكر الصهيوني اليساري هيرتزوغ دعا قبل نتنياهو إلى حلف «إسرائيلي» - سني مثل حلف الناتو لمواجهة التحديات، وكذلك دعا العنصري أفيغدور ليبرمان إلى عقد تحالف مع الاعتدال العربي. كل هذه المؤشرات أقنعت الفلسطينيين أنهم مهمشون الآن، وعليهم دراسة البدائل التي اقترحتها لجنة فلسطينية لتنفيذ توصيات المجلس المركزي بشأن العلاقة مع الكيان «الإسرائيلي». وحالياً تجري منظمة التحرير مشاورات داخلية على مستوى اللجنة التنفيذية، وكذلك مركزية فتح حول سبل مواجهة التصعيد «الإسرائيلي» والتعنت والتنكر لحل الدولتين، والاتفاقات الموقعة من أوسلو وما بعدها وكذلك القرارات الدولية. وهناك على الطاولة اقتراح باللجوء إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة لطلب الحماية الدولية لشعب تحت الاحتلال. وهناك اقتراح توجيه رسالة نهائية إلى رئيس الوزراء «الإسرائيلي» نتنياهو تطالبه بإيضاح موقفه من حل الدولتين، ووضع جدول زمني لإنهاء الاحتلال والالتزام بتنفيذ الاتفاقات الموقعة، وفي حالة الرفض فإن منظمة التحرير ستتخذ إجراءات مشابهة لموقف حكومة «إسرائيل» أي سحب الاعتراف المتبادل بين الطرفين، وسحب الاعتراف باتفاقات أوسلو وما نتج عنها، طالما أن «إسرائيل» لا تعترف بها، وأيضاً وقف ما يترتب على الاتفاقات من تنسيق مع السلطات «الإسرائيلية»، وإمهال «نتنياهو» مدة أسبوعين للرد، وإرسال رسائل مشابهة إلى الدول الكبرى والاتحاد الأوروبي ودول عدم الانحياز، وبالطبع النتيجة الحتمية للرفض «الإسرائيلي» هي العودة إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، وتقديم طلب الحماية لشعب تحت الاحتلال مع تقديم كل الملفات إلى المحكمة الجزائية الدولية، وهذا يعني عملياً أن السلطة ستكون في حل من أي انعكاسات لهذا الوضع، لأنها عملياً ستحل نفسها وهو ما يحذر منه الأمريكيون وغيرهم ويرون أن «داعش» هي البديل، كما حذر الرئيس الفلسطيني الوزير كيري، وكرر كيري وهيلاري كلينتون الكلام نفسه في مؤتمر مركز بروكينغز الأخير. وليس من المستبعد أن يكون تنظيم «داعش» هو البديل، طالما تُرك الفلسطينيون يواجهون همجية الاحتلال وحدهم. وتنظيم «داعش» أيضاً يحتاج إلى شحنة إعلامية تعيده إلى أذهان العامة كتنفيذ عملية ما في فلسطين ولديه أنصار، بعضهم تسلل إلى سوريا والعراق، وهو حتى الآن متفق مصلحياً مع الكيان على عدم الاحتكاك بينهما، لكنه وهو يئن تحت الضربات في سوريا والعراق يحتاج إلى رافعة دعائية تعيد إليه الاعتبار عربياً وإسلامياً كالتحرش ب «إسرائيل»، ولعل الخلية التي أعلنت «إسرائيل» اعتقالها في الناصرة بتهمة أنها تابعة ل «داعش» ليست من إنتاج «داعش» بل تتصرف وحدها من دون تواصل مع هذا التنظيم، لكن هذا لا يلغي احتمال لجوء التنظيم إلى تنفيذ عمليات ضد الكيان لكسب شعبية ما، وهو ما تريده «إسرائيل» حالياً لحجب الأنظار عن ممارسات الاحتلال في الأراضي الفلسطينية وتهميش القضية، فتنظيم القاعدة بقيادة أسامة بن لادن لم يأت على ذكر فلسطين قط طوال مسيرته إلا بعد أن منيت القاعدة بالهزيمة في أفغانستان.. وذكر ابن لادن الاحتلال الصهيوني لفلسطين في آخر خطبة له.. فهل يفطن تنظيم «داعش» لفلسطين كورقة أخيرة وإن كانت غير رابحة طبقاً للوضع القائم؟

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"