ما هي الاستراتيجية الأمريكية في سوريا ؟

04:20 صباحا
قراءة 3 دقائق
ستيفن كينزر*

خلال سبع سنوات مدمرة، قتلت الحرب في سوريا مئات الآلاف من الناس، وحولت أكثر من عشرة ملايين إنسان إلى لاجئين، كما حولت مدناً وبلدات كانت مزدهرة في الماضي إلى خرائب.
وهذه الحرب تقترب الآن من نهايتها، ما يعطي فرصة لسوريا لكي تعيد بناء نفسها. ومن الممكن الآن إعادة توحيد هذا البلد، وإعادة تنشيط اقتصاده، وتحقيق قدر من الاستقرار السياسي فيه. إلا أنه من المستبعد أن يتحقق أي شيء من ذلك. إذ إن مخططي الاستراتيجية الأمريكية مصممون على منع تحقيق ذلك طالما أن بشار الأسد يمسك بالسلطة. وشبح سوريا سلمية ومزدهرة تحت قيادة الأسد يرعبهم. وهم يعتقدون أنه طالما بقي الأسد في السلطة، فإن مصلحة أمريكا تقتضي إبقاء سوريا مقسمة، وغير مستقرة، وفقيرة.
ومن منظور واشنطن، السلام في سوريا هو سيناريو مخيف. إذ إن السلام سيعني ما تعتبره الولايات المتحدة «مكسباً» لأعدائها، وهم روسيا وإيران وحكومة الأسد. ولهذا، فالولايات المتحدة مصممة على منع تحقيق ذلك، مهما تكن الخسائر البشرية.
وفي الوقت الراهن، تسيطر فصائل مدعومة من الولايات المتحدة على مقادير كبيرة من مياه وبترول، ومن أفضل الأراضي الزراعية في سوريا. وهذا يعطي واشنطن فرصة عظيمة. فهي تستطيع تشجيع حلفائها الأكراد ومجموعات معارضة أخرى على التفاوض حول اتفاق سلام مع الأسد، الذي يرجح أن يبقى في السلطة لسنين قادمة. ولهذه الأسباب بالذات يستبعد أن تفعل واشنطن ذلك.
وحسب المنطق الكامن وراء الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط - وبقية العالم - فإن أحد أهدافنا الرئيسية يجب أن يكون منع تحقيق السلام والازدهار في بلدان تحكمها حكومات ليست صديقة لنا. ولهذا فإن تحقيق السلام والازدهار في سوريا ستكون له نتائج تعتبرها الحكومة الأمريكية غير مقبولة. فهذا، أولاً، سيشكل انتصاراً لحكومة الأسد، التي أوهمنا أنفسنا بأننا نستطيع سحقها. وثانياً، هذا سيمكن روسيا، حليفة الأسد، من الاحتفاظ بنفوذها في سوريا. وثالثاً - وهذا هو أكثر ما يخيف واشنطن - السلام والاستقرار في سوريا يمكن أن يتمددا عبر المنطقة.
وإضافة إلى كل ذلك، هناك الآن، لأول مرة في التاريخ المعاصر، علاقات جيدة بين حكومات سوريا والعراق وإيران. وإقامة شراكة بين هذه الدول يمكن أن تضع أساساً لشرق أوسط جديد لن يكون راضخاً لتحالف الولايات المتحدة و«إسرائيل». ولهذا السبب الحكومة الأمريكية مصممة على منع تحقيق مثل هذه الشراكة.
من جهة أخرى، الفقر - وليس الإيديولوجيا - هو الدافع الرئيسي الذي يحمل شباناً على الانضمام إلى مجموعات إرهابية. وبإبقائنا سوريا غير مستقرة وفقيرة، نحن نمكن هذه المجموعات من تجنيد العديد من الأنصار والمقاتلين.
إن الحسابات الاستراتيجية للدول كثيراً ما تضع مصالحها الجيوسياسية قبل الاهتمامات الإنسانية. ولكن في هذه الحالة، فإن تصميم الحكومة الأمريكية على منع الاستقرار في سوريا بوجود الحكومة الحالية إنما هو قصير النظر. إذ إن تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط سيكون على المدى الطويل ملائماً لمصالحنا. فلو أننا ندعم سياسات تمكن الطبقات الوسطى من الازدهار وممارسة السلطة في سوريا والبلدان المجاورة، فإن هذه البلدان ستكون أقل نزوعاً إلى الحرب، بل يمكن أن تتطور باتجاه الديمقراطية.
غير أن الاستراتيجية التي نتبعها الآن ستكون لها نتائج معاكسة. فكما سبق أن أشرنا، فإن الفقر، وليس الإيديولوجيا أو الدين، هو القوة المحركة الرئيسية التي تدفع شباناً للانضمام إلى صفوف مجموعات إرهابية. وبسعينا إلى إبقاء سوريا فقيرة وغير مستقرة، فإننا نوفر لهذه المجموعات الإرهابية فرصة عظيمة لتجنيد مقاتلين في صفوفها.
وفي واشنطن، يعتبر هذا ثمناً مقبولاً من أجل منع منافسينا من تحقيق «انتصار» في سوريا.

* أكاديمي وكاتب وصحفي أمريكي - موقع «صحيفة بوسطن جلوب»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"