التفكير بصوت عالٍ

01:36 صباحا
قراءة دقيقتين
د. حسن مدن

على أحد المواقع المعنية بالتربية في الشبكة العنكبوتية قرأتُ حديثاً عما يوصف ب «استراتيجية التفكير بصوت عال»، التي يقول الموقع إنها «من الاستراتيجيات المهمة التي يحتاج التلاميذ إليها للتحدث عن تفكيرهم والتواصل مع بعضهم بعضاً ومع الآخرين، وتستند فكرتها على أساس قيام المعلم بالتفكير بصوت مرتفع في مواقف التخطيط أو حل المشكلات حتى يستطيع التلاميذ أن يتبعوا خطوات التفكير بصوة واضحة مع تدعيمهم بالعديد من الأمثلة وتنمية قدراتهم على التعبير عن أفكارهم بوضوح». وأذكر أن الراحل الدكتور فؤاد زكريا كتب في أحد مقالاته يقول، إن من عادته بعد كل امتحان يعقده لطلابه في الجامعة، أن يترك فرصة للطلاب الذين يعتقدون أنهم حصلوا على درجات أقل مما يستحقون كي يناقشوه في إجاباتهم، فيكشف لهم عن أخطائهم التي هم على غير وعي بها.
وفي مثل هذه الحال، كان يطلب من الطالب المعني أن يقرأ ورقة إجابته بصوت مرتفع، وكثيراً ما كان الطلاب يترددون في فعل ذلك، أو يحاول الواحد منهم أن يضيف أشياء أخرى غير تلك المكتوبة في ورقة إجابته، فإذا قرأ عبارات غير مفهومة يتوقف ويقول: «أنا أقصد أن أقول كذا»، وساعتها يضيف أفكاراً جديدة أفضل وأكثر ترتيباً بكثير من أفكاره الواردة في الورقة.
ويتساءل فؤاد زكريا: من أين أتى الطالب بتلك الأفكار التي لم ترد في ورقته رغم أنه قدح ذهنه بقدر ما يستطيع في الامتحان؟ قبل أن يجيب أن الجديد أتى من المواجهة المباشرة بما فيها من عناصر مساعدة على التعبير عن الأفكار، وهي العناصر التي كانت مختفية ساعة أداء الامتحان كتابياً.
لم يكن فؤاد زكريا يتحدث بالضبط عن التفكير بصوت عال في المثال أعلاه، ولكن ما قاله يتقاطع معه، فالكتابة، حتى لو كانت عبارة عن إجابات على أسئلة امتحان هي طقس فردي، شديد الفردية، بمعنى أن الإنسان يستعين فيها بما يمكن وصفه ب «المونولوج» الداخلي، حين يستعيد معلوماته ويحاول تنظيم أفكاره منفرداً، لكن التفكير بصوت عال هو طقس يلزم وجود الآخر، حتى لو كان مستمعاً.
حين تقول لشخص آخر أو جماعة حاضرة: دعونا نفكر بصوت عال، تكون قد بلغت غايتين: الأولى هو أن تضع ما تفكر فيه على محك الاختبار فترى إلى أي مدى يكون مقبولاً أو باعثاً على التفاعل، وفي الآن ذاته تحرض من هم أمامك على التفكير المشترك في القضية موضع النقاش، أي أنك تدعوه، أو تدعوهم إذا كانوا جماعة، إلى الحوار، فكأن الجميع يحاور ذاته ولكن في مرآة الآخر/ الآخرين.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"