الجزائر: غرداية تدق ناقوس الخطر

03:14 صباحا
قراءة 4 دقائق
اندلعت في شهر ديسمبر/ كانون الأول أعمال عنف في ولاية غرداية الجزائرية عاصمة وادي المزاب الواقعة على بعد 600 كلم جنوب العاصمة ثم ما لبثت أن تجددت خلال فترات مختلفة وكان آخرها مصرع 3 مواطنين وإصابة أكثر من مئة بجروح متفاوتة أواخر الأسبوع الماضي . كان يمكن لهذا الحادث أن يكون من النوع الجنائي الذي يُحل بواسطة المحاكم أو التحكيم القبلي أو الديني، بيد أن ارتداداته الخطرة تفصح عن مخاطر تتعدى غرداية إلى الجزائر بأسرها، وتهدد النسيج الوطني بحسب بعض المعلقين الجزائريين، ولعل هذا ما أدى إلى انتقال الدولة برموزها الكبيرة إلى المدينة لطمأنة الأهالي، الأمر الذي يطرح سؤالاً كبيراً حول أسباب ما جرى ومن يقف وراء أعمال العنف؟ ولماذا تشعر الجزائر كلها بهذا الخطر؟
للإجابة عن السؤال تجدر العودة إلى ديسمبر/كانون الأول الماضي حين أفاقت المدينة على حرق منزل كبير لأحد قادة مافيا المخدرات وفي اليوم التالي دنست مقابر ومزارات تابعة لجماعة المزابطين، وهم من البربر، واتجهت الأنظار مباشرة إلى قبيلة الشعانبي العربية التي تسكن أيضاً الولاية تفسها . لم يتبن أحد تنديس القبور وربما للإيحاء بأن الفاعل من الشعانبي فكان أن انفجر الموقف ومازال، وقد أخفق كبار الطرفين بوضع حد له، كما عجزت السلطات المحلية عن تطويقه ولعل ذلك يتصل بخلفياته التي يمكن تفسيرها في اتجاهات ثلاثة:
الأول: إقدام مافيا المخدرات الحاضرة بقوة في هذه المدينة على تفجير الأوضاع بين الشعانبي والمزابط وتحويلها إلى نزاع طائفي إثني مديد لتسويق كميات ضخمة من المخدرات انطلاقاً من المدينة وهو يفسر ضبط السلطات المحلية كميات كبيرة من المخدرات كانت معدة للتسويق .
الثاني: إقدام المافيا العقارية على تهجير الناس من وادي المزاب للاستيلاء على الوادي كما حصل خلال العشرية السوداء في سهل المتيدجة .
الثالث: سعي فرنسا أو الجهات المرتبطة بها إلى إشعال هذه المنطقة طائفياً للضغط على الجزائر كي تساعد الفرنسيين في مالي المجاورة، وهذا السبب انفردت بتقديمه لويزة حنون المرشحة اليسارية للرئاسيات الجزائرية .
ثمة من يجمع هذه الأسباب كلها للقول إن مؤامرة خارجية تحاك ضد الجزائر وإن المافيات المحلية سهلت تطبيق هذه المؤامرة بيد أن الأسباب المطروحة لا تبدو حاسمة وبخاصة السبب العقاري ذلك أن غرداية لاتنفرد عن باقي مدن الجزائر في المشكلات العقارية، فلماذا لا تنجح المافيا العقارية في أماكن أخرى؟ ولماذا تنجح في غرداية؟ أما تجارة المخدرات فهي أيضاً موجودة في مناطق أخرى من الجزائر وليست حكراً على غرداية . يبقى تفسير لويزة حنون الذي كان يمكن أن يكون دامغاً لو أن الجزائر ترفض معاونة فرنسا في حل المأساة القائمة في مالي .
على الرغم من التفسير الجزئي الذي تقدم ذكره، فالراجح أن تكون هذه الأحداث مرتبطة بما يدور في المنطقة العربية من صراعات طائفية وإثنية يراد منها تفجير الدول والأوطان، وبخاصة تلك التي تتمتع بمزايا استراتيجية كالجزائر ومصر، وبالتالي رعاية الفوضى في أرجائها تمهيداً لتطويعها ومساعدة أهلها على حل إنقساماتهم عبر الوساطات الخارجية . أضف إلى ذلك الصراعات الداخلية الجزائرية وانعكاساتها السلبية على الاستقرار في أنحاء البلاد المختلفة ولعل اختيار غرداية يفصح عن دراية عميقة بالمجتمع الجزائري وبنقاط ضعفه .
ما من شك في أن أهالي هذه المنطقة قد عاشوا معاً آلاف السنين، لكن الصحيح أيضاً أن السوريين والليبيين واليمنيين عاشوا مع بعضهم آلاف السنين من دون أن يتمكنوا من الصمود في مواجهة الانشقاقات المحلية المعقودة على تدخلات خارجية ظاهرة أو مستترة، ولعل فشل النخب القبلية والدينية في السيطرة على الانقسامات وفي إيجاد الحلول الملائمة لها يعزز المخاوف من أن تكون أحداث غرداية بمثابة شرارة معدة لإشعال الجزائر برمتها وتحطيم وحدة هذا البلد الذي نجا من الدمار الشامل خلال العشرية السوداء أواخر القرن الماضي .
وحتى تتجاوز الجزائر الفخ المنصوب لها في غرداية ربما يتوجب العمل وبأقصى سرعة في الاتجاهات التالية:
الأول: التنبه إلى أن تدنيس قبور ومزارات المزابطين هو كبيرة الكبائر، وأنه يرمي إلى تفكيك وتدمير المجتمع الجزائري المندمج الأمر الذي يستدعي إلحاق العقاب بالفاعلين بما يتناسب مع خطورة الجريمة . وهنا يجدر التنبيه إلى أن الأحداث الطائفية في العراق اندلعت بقوة على إثر تفجير المزارين في سامراء بواسطة عميل موال للاحتلال الأمريكي ومازال الانقسام الطائفي العراقي مستمراً حتى اليوم .
ثانياً: تكثيف حضور الأجهزة الأمنية الجزائرية بقوة في هذه المنطقة وحصر الحريق في مكانه وبالتالي الإفادة من دروس الحرب الأهلية اللبنانية التي ما كان لها أن تندلع لو عملت السلطات آنذاك على حصر الحريق الاول في مكانه والحؤول دون امتداد لهيبه إلى أماكن أخرى .
ثالثاً: إبعاد هذا الحادث بكل الوسائل عن الاستحقاق الانتخابي الجزائري واعتبار أن كل من يستخدمه في الدعاية الانتخابية هو شريك في الجريمة قصداً أو عفواً .
رابعاً: إذا كان الحادث متصلاً بالمافيات فعلى السلطات أن تحرص على حرمان المافيات من أية فوائد مبنية عليه .
خامساً: إذا كانت أياد خارجية قد دبرت هذه الجريمة فعلى السلطات الجزائرية أن تقطعها فوراً وأن ترشد الرأي العام إلى أصحابها .
سادساً: اعتماد الشفافية التامة في عرض تفاصيل الحادث والكشف عن مسببيه، منعاً لكل محاولات الاصطياد في الماء العكر والتعويض عن المتضررين بما يرضيهم ويحبس كل شعور بالظلم في نفوسهم . عندما تكون جريمة غرداية وطنية وليست محلية يتوجب على السلطات، أن تعاملها بهذه الصفة وأن تجرد لها حملة وطنية هذا إذا أرادت إنقاذ البلاد من عشرية سوداء جديدة أو أكثر .


فيصل جلول

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"