سابقة عربية.. وزيرة للداخلية

03:05 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمود الريماوي

أخيراً، تم تشكيل الحكومة اللبنانية، بعد مخاض استغرق تسعة شهور، وهي الفترة التي يستغرقها خروج الكائن البشري إلى النور. وربما يكون ذلك فألاً طيباً بأن تعمّر الحكومة الثالثة لسعد الحريري لفترة طويلة، لكن الحكومات تتغير في بلاد الأرز، مع تغير العهود (رؤساء الجمهورية).
لم تحمل الحكومة الجديدة مفاجآت كبيرة، فقد سبق لحزب الله أن كان ممثلاً في الحكومات المتعاقبة منذ نحو عقدين من الزمن، فيما تم توزيع المقاعد الوزارية (30 مقعداً) على حصص الطوائف من النواب، واحتفظ جبران باسيل بحقيبة «الخارجية». وقد ارتفع عدد الوزيرات إلى أربع، بينما تمثلت المفاجأة في إسناد وزارة الداخلية إلى سيدة هي ريّا حفار الحسن، وهي المرة الأولى التي تظفر فيها سيدة بهذا الموقع في لبنان وفي العالم العربي. خاصة أن نطاق اختصاص الوزارة في لبنان يشمل البلديات أيضاً، بما يزيد من حجم المسؤولية الملقاة على عاتق الوزيرة.
وقد تزايد في العقد الأخير عدد النساء العربيات اللواتي يتقلدن مناصب رفيعة، منها منصب وزيرة وسفيرة. لكن قلما تقلدت سيدة عربية حقيبة وزارية سيادية في بلادها، وذلك بالنظر إلى حساسية هذه المواقع، ويؤمل أن يتحسن الوضع تدريجياً، وأن نجد النساء القياديات المستحقات، في أغلب المناصب الرفيعة.
ويسترعي الانتباه أن الوزيرة الحسن (52 عاماً) لم يسبق أن عملت في وزارة الداخلية أو في الأجهزة التابعة لها، وأن خبرتها الطويلة والغنية تكمن في مجال الاقتصاد والتخطيط والإنماء. لكنها سبق أن شغلت منصب وزير المالية لفترة تزيد على عامين في حكومة الحريري، وإبان عهد الرئيس السابق ميشال سليمان، وبما أن منصب الوزير سياسي في الدرجة الأولى، بأكثر مما يتعلق بمجال تخصصه، فلنا أن نتوقع نهوض الوزيرة بمهامها مثل أقرانها من بقية الوزراء، بمن فيهم وزراء الداخلية السابقون في بلادها.
ونجاحها المأمول سيكون ملهماً في أن تتقدم سيدات عربيات أخريات نحو مثل هذه المناصب الرفيعة، ومنها مسؤولية وزارة الداخلية التي تناط عادة برجال، ومع اقتران صورة هذا الموقع في الأذهان ب«الصرامة».
في واقع الأمر، فإنه سبق لسيدات في عالمنا أن وصلن إلى أعلى المناصب الحساسة، ومنها وزارة الدفاع على سبيل المثال. فقد تقلدات سيدات وزارات الدفاع في كل من فرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان وإسبانيا، وفي بلد يمتاز بتعداد سكانه الهائل مثل الهند، وفي دولة من دول العالم الثالث هي إثيوبيا. وفي أمريكا، فإن السيدة جينا هاسبيل (63 عاماً) هي من يتقلد أحد أعلى المناصب حساسية وهو رئاسة وكالة المخابرات المركزية.
أما في بريطانيا، فقد كانت السيدة إمبر راد، تشغل حقيبة الداخلية في حكومة تيريزا ماي، وقد استقالت نتيجة خطأ ارتكبته حين صنفت بعض المهاجرين الشرعيين بأنهم غير شرعيين. أما رئيسة الحكومة الحالية ماي، فقد تقلدت بدورها وزارة الداخلية في بلادها لفترة امتدت نحو ست سنوات في عهد حكومة ديفيد كاميرون.
وبعيداً عن التمنيات، فإن وصول سيدة عربية إلى منصب وزيرة للداخلية يشكل سابقة حميدة يُعتد بها، ويثير التفاؤل حول مستقبل العدالة الاجتماعية، والمشاركة العامة بعيداً عن التصنيف «الجندري» الذي تخطاه العصر. إذ إن تقلد هذا المنصب يسهم في كسر الصورة النمطية، عما «يلائم السيدات، وما لا يلائمهن» لدى تقلد المناصب العليا وحتى المواقع المتوسطة، وهو ما دأبت ثقافتنا السائدة على ترديده.. علماً أن إقصاء النساء لأمد مديد، وممارسة شتى الضغوط الاجتماعية عليهن، ونشر مفاهيم سالبة عنهن، هو الذي بلور تلك الصورة النمطية الظالمة والمتوارثة من جيل إلى جيل، والتي أفاد منها الرجال عظيم الفائدة في سعيهم لبلوغ مطامحهم!
الأمل كبير، وقد استجابت الوزيرة الحسن للتحدي غير الهيِّن، بأن تنجح في مهمتها، رغم الصعوبة التي تكتنف هذه المهمة، ورغم دقة موازين الأمن في بلدها، واختلاط الاعتبارات الأمنية بالسياسية، وكذلك امتزاج حقوق المواطَنة ومقتضيات القانون بحقوق الطوائف، وتأثيرات الجوار، وانعكاس المعادلات الإقليمية على الوضع الداخلي، إضافة إلى أن الإشراف على البلديات (المجالس المحلية) يعني التعامل مع المجتمع برمته، بكل ما فيه من تنوع وتعدد في المرجعيات والأولويات بين منطقة وأخرى، مما يتميز به الموزاييك اللبناني.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"