لو كانت هيلاري رجلاً

04:24 صباحا
قراءة 3 دقائق
عاصم عبد الخالق
السؤال الذي يتصدر هذه السطور طرحه الصحفي الأمريكي ريتشارد كوهن في مقال نشرته واشنطن بوست الأسبوع الماضي، عقب فوز هيلاري كلينتون بترشيح الحزب الديمقراطي لخوض انتخابات الرئاسة، لم يقصد الكاتب السخرية من السيدة التي أصبحت أول امرأة في تاريخ الولايات المتحدة تفوز بترشيح أحد الحزبين الكبيرين للتنافس على أهم وأرفع منصب في البلاد.
الهدف من السؤال كان تسليط الضوء على الصعوبات التي تواجهها هيلاري لكونها سيدة، أو بمعنى آخر العراقيل التي مازالت قائمة في وجه المرأة الأمريكية، لذلك جاءت إجابته مباشرة، وهي أنها لو كانت رجلاً لاحتاجت إلى مجهود أقل لإقناع الناخبين بجدارتها.
المعنى أن العراقيل التي توضع أمام المرأة أكبر وأشد صعوبة وتعقيداً من تلك التي يجابهها الرجل، رغم مرور 97 عاماً على نيل الأمريكيات حق التصويت، لهذا السبب يعتبر كثيرون أن الانتخابات المقبلة هي معركة المرأة عامة، وليس معركة هيلاري خاصة، ولكن هل أصبح المجتمع الأمريكي مستعداً لقبول سيدة في منصب الرئيس، كما أثبت منذ ثماني سنوات أنه مستعد لانتخاب مواطن أسود في نفس المنصب؟
يخطئ من يظن أن أصوات النساء ستذهب تلقائياً إلى هيلاري لمجرد كونها واحدة منهن، أو لأنهن يمثلن 57 % من الناخبين المسجلين، كثير من النساء يرفضن فكرة التصويت لهيلاري لمجرد أنها سيدة، ويرفضن أيضاً اعتبار التصويت لمنافسها خيانة لقضية المرأة، وطعناً للحركة النسوية. وقد أظهرت الانتخابات التمهيدية منذ بدايتها هذه الحقيقة عندما حصل منافسها الديمقراطي بيرني ساندرز على 55% من أصوات النساء مقابل 44% لها في نيوهامبشاير.
قد لا يكون مفهوماً إلى حد كبير سبب هذا العزوف النسائي عن تأييد هيلاري، خاصة من جانب صغيرات السن وغير المتزوجات، ولكن بصفة عامة، من النساء من تعارضها لأسباب موضوعية تتعلق بمواقفها وتوجهاتها السياسية، مقابل تحفظات نسائية أخرى لأسباب شخصية، من ذلك مثلاً الهجوم الذي تتعرض له من أمريكيات أغضبهن استمرارها في الحياة الزوجية مع كلينتون بعد فضيحته الغرامية إبان توليه الرئاسة، اعتبرت سيدات كثيرات أن استمرارها في حياتها الزوجية يعني قبولها بالخضوع والإذلال، وهذا مرفوض من وجهة نظرهن، ورأت أخريات أن عدم انفصالها عن زوجها يكشف عن انتهازيتها؛ لأنها قايضت كرامتها بطموحاتها السياسية.
من لا يعرف المجتمع الأمريكي لا يعلم، وقد لا يصدق، أنه مجتمع محافظ إلى حد كبير، ولذلك فهو لا يقبل الخيانة الزوجية، ويحترم كثيراً الحياة الأسرية، وهي عامل مهم لشعبية أي سياسي، لا يغيب ذلك بالطبع عن فطنة هيلاري التي خططت منذ وقت مبكر لمسيرتها السياسية الطموحة، ولم تشأ أن تدعها تتحطم على صخرة الخيانة الزوجية، وهي تعلم أن فرص نجاح امرأة مطلقة في الانتخابات أضعف من فرص الزوجة المخلصة الصابرة التي تصون أسرتها، وتكافح من أجل تماسكها، وأثبتت الأيام أنها كانت على صواب عندما فازت في انتخابات مجلس الشيوخ في نيويورك عام 2000 وكانت أول سيدة تفوز بهذا المقعد في تاريخ الولاية.
اليوم تكرر هيلاري المغامرة على مستوى أكبر وأهم، وهي أذكى من أن تخوض معركتها باعتبارها امرأة، ولكن كسياسية مخضرمة ووزيرة خارجية سابقة، ومع ذلك فإن هاجس الأصوات الناعمة يظل يؤرقها؛ لأنه كان يفترض أن يكون حماسهن لها أكثر من ذلك بكثير، غير أن الموقف لا يبدو سيئاً؛ حيث تشير آخر الاستطلاعات إلى أن 57% من النساء يؤيدْنها مقابل 45% لمنافسها الجمهوري دونالد ترامب، بينما يتفوق هو بين الرجال بنسبة 55% مقابل 45% لها.
أكبر خطأ يمكن أن ترتكبه هيلاري الآن هو تحويل الحملة الانتخابية إلى معركة بين رجل وامرأة، من ناحية؛ لأنها ليست كذلك، ومن ناحية ثانية؛ لأن المواطن الأمريكي، وقياساً على انتخابات الكونجرس وحكام الولايات وغيرها، ينتخب المرشحين على أساس برامجهم ومواقفهم وليس على أساس جنسهم، وأي محاولة من جانب هيلاري للتلاعب بورقة الجنس لاستمالة النساء ستعني أنها مفلسة سياسياً.
هيلاري لا ينقصها الذكاء لتدرك هذه الحقيقة، غير أن بعض مؤيديها يضرونها من دون قصد، على نحو ما فعلت وزيرة الخارجية السابقة مادلين أولبرايت عندما خاطبت حشداً نسائياً قائلة: «في جهنم مكان لأي امرأة لا تساعد الأخريات». على هيلاري أن تدعو الله أن يجنبها حماقات حلفائها، أما خصمها ترامب فهي كفيلة به.
[email protected]
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"