إطلاق النار قبل تحديد الهدف

01:11 صباحا
قراءة 3 دقائق
بكثير من الاطمئنان يمكن التسليم بصواب الرأي القائل إن الضربة الصاروخية الأمريكية لقاعدة الشعيرات الجوية السورية ليست بداية تحول جذري في الاستراتيجية الأمريكية تجاه سوريا، فلا هي مقدمة لحل سياسي شامل ولا هي تمهيد لحملة عسكرية أوسع. يلقى هذا الاستنتاج قبولاً واسعاً بعد مضي ما يقرب من ثلاثة أسابيع على الهجوم دون أن تتبدى في الأفق إرهاصات التحول الأمريكي المنتظر الذي تمناه الحلفاء وتخوف منه الأعداء. كل الشواهد تؤكد أن الضربة تمثل إجراءً واحداً منقطعاً عن أي سياق سياسي أو عسكري أوسع نطاقاً.

سعى ترامب لتحقيق مجموعة من المكاسب التكتيكية بصورة تعبر عن طموح سياسي محدود ورؤية قصيرة النظر. مكسبه الأول كان إنقاذ شعبيته المنهارة وتقديم نفسه كزعيم قوي لا يتورع عن استخدام القوة خلافاً لسلفه المتردد أوباما. سعى كذلك لتأكيد الدور الريادي لبلاده في العالم وبالتالي طمأنة الحلفاء والأصدقاء. استهدف أيضاً تحذير روسيا وإيران وبالطبع النظام السوري وربما كوريا الشمالية أيضاً، وأعطى انطباعاً بأن هناك خطوطاً حمراء لا يسمح بتجاوزها.

حقق ترامب معظم هذه الأهداف بالفعل، ورغم ذلك تبقى مكاسبه مؤقتة ومحدودة الأثر والتأثير لا سيما بعد تلاشي الضجة التي أحدثتها الضربة. بل إنه سيجني في الواقع مجموعة من النتائج العكسية لم تكن في الحسبان. الإعجاب الذي أحاط بقراره تحول إلى إحباط في الداخل والخارج بعد أن تبين أن ما قام به هو أقصى ما لديه وأنه لا ينوى وربما غير قادر على الذهاب إلى ما هو أبعد عسكرياً وسياسياً.

يتضاعف الإحباط عند مراجعة المحصلة العسكرية الهزيلة التي لا تكاد تذكر للضربة الصاروخية، وهي بهذا المعنى لا تزيد عن استعراض للقوة. لم تغير الضربة موازين القوة، ولم تضعف النظام أو تحد من قدرته. ورسالة الردع التي سعى ترامب إلى إيصالها لروسيا وإيران يبدو أنها لم تبلغ هدفها. بل على العكس دفعت الدولتين إلى مضاعفة دعمهما للأسد. وسيظل المجال مفتوحاً أمامهما للرد على الإجراء الأمريكي بالصورة الملائمة لهما. وفي المكان والزمان المناسبين من وجهة نظرهما.

سياسياً من المستبعد تماماً أن تبادر روسيا وإيران إلى تقديم تنازلات أو طرح حلول للأزمة السورية بعد الضربة الأمريكية لحرصهما على حرمان واشنطن من أي مكاسب سياسية يمكن أن تدعي أنها من ثمار عمليتها العسكرية.

ويرى الكاتب الأمريكي الشهير مارك لينش الباحث في «مركز كارنيجي» أن الضربة الأمريكية لم تحقق تطوراً سياسياً أو عسكرياً حقيقياً. والأرجح أن تستمر الحرب بوتيرتها الحالية دون انتصار حاسم لأي طرف. أما الأسوأ الذي لم يأتِ بعد فيرى أنه قد يتمثل في انتكاسة الحملة ضد «داعش». أو جر أمريكا لمواجهة أوسع في سوريا بفعل زيادة الدعم الروسي- الإيراني للنظام، أو نتيجة لتصعيد الحلفاء الإقليميين المحبطين من تردد واشنطن للحرب عبر زيادة دعم المعارضة المسلحة. ومن المحتمل أن يصبح الجنود الأمريكيون في العراق وسوريا هدفاً للانتقام.

نتيجة عكسية أخرى للهجوم يواجهها ترامب وهي شيوع الاعتقاد بتذبذب مواقفه وانقلابها تماماً لأنه كان أحد أقوى المعارضين لضرب النظام السوري حتى عندما استخدم أسلحة كيماوية عام 2013. الآن يفعل ترامب ما رفضه من قبل وبالتالي لا يوجد ما يمنع من تغيير موقفه إزاء قضايا داخلية وخارجية أخرى. والنتيجة المؤكدة لذلك هي تدمير مصداقيته وخسارة أنصاره.

خلاصة القول إن ترامب فشل في توظيف تأثير الضربة العسكرية. وأن ما جناه منها كان محدوداً ومؤقتاً. وبقيت النتائج النهائية في غير صالحه. الموقف كله لخصه في عبارة وجيزة ديريك كوليت أحد مساعدي أوباما للأمن القومي عندما كتب «أن ترامب أطلق النار قبل أن يحدد الهدف».

عاصم عبد الخالق
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"