في «منتدى كتاب آسيا» في عاصمة كازاخستان، صعد إلى المنصة كاتب مخضرم، وارتجل مداخلة مطوّلة، قال فيها أموراً مختلفة، ولكنه شدّ انتباه الحضور في الأمر الذي أثاره في الجزء الأخير من مداخلته، والذي استغرق حيزاً كبيراً منها، حول «أصل وفصل» القائد الشهير في التاريخ بغزواته: جنكيز خان، داعياً المشتغلين بالتاريخ إلى التدقيق في الأحداث والأسماء المفصلية فيه.
كان الكاتب المخضرم معنياً بإثبات فرضية تستحوذ على ذهنه، هي أن جنكيز خان ليس مغولي الأصل، وإنما هو تركي كازاخي، ولا أذكر أن الرجل قدّم براهين قاطعة على فرضيته هذه، ولكنه بدا كمن ينافح عن حق اغتصب من بلاده كازاخستان حين نسب اسم رجل مهم، مهما اختلف المختلفون على دوره، إلى بلد آخر، وأنه يحقّ لكازاخستان أن تتباهى بأن يكون هذا الرجل ابناً لها، لا ابن بلد آخر، هو منغوليا.
كان هذا الكاتب هو آخر المتحدثين في تلك الجلسة، وكان الحاضرون ينتظرون الإعلان عن رفعها لاستراحة القهوة بعد أن أنهى حديثه، ولكن مدير الجلسة أوضح أنه قبل أن ترفع سيعطي كلمة قصيرة لأحدهم، هو كاتب كازاخي آخر.
بدت على الرجل وجاهة الشخص المسؤول، وبدأ حديثه مؤكداً أن بين كازاخستان ومنغوليا علاقات أخوّة متينة، وتعاوناً متعدد الأوجه، وأن جزءاً من سكان كازاخستان هم منغوليون، والعكس صحيح أيضاً فعلى أرض منغوليا يوجد سكان من أصول كازاخية، وأنهى كلمته بالإفادة بأن ما قيل قبل قليل حول أصل جنكيز خان هو رأي شخصي لصاحبه، ولا يمثل رأياً رسمياً.
من حيث لا يعلم، أو ربما يعلم، أثار صاحب نظرية الأصل التركي - الكازاخي لجنكيز خان، قضية يمكن أن تكون سبباً لحساسيات بين البلدين، وأن الكلمة التوضيحية التي تلته كانت من أجل تفادي أي تأويلات يمكن أن تفهم مما قيل، مؤكداً أن هذا محض رأي شخصي.
وأنا أفكر في الأمر، خطرت في بالي حقيقة أن آسيا الوسطى قدّمت كثيراً من الأسماء المرموقة في مجالات العلوم والطب والفلسفة والأدب في تاريخ الحضارة العربية الإسلامية، وكانت هذه الحضارة على درجة من الاتساع والتنوع، بحيث نسب إليها الجميع بصرف النظر عن أعراقهم، فنحن نصفهم بالعلماء المسلمين، فالفارابي مثلاً هو كازاخي الأصل، ويعود أصل ابن سيناء إلى بخارى في أوزبكستان، ورغم أن الخوارزمي ولد وعاش في بغداد إلاّ أن جذوره تعود إلى خوارزم في أوزبكستان أيضاً، وعلى هؤلاء يقاس آخرون.
د. حسن مدن
عن الكاتب
مقالات أخرى للكاتب
قد يعجبك ايضا
