حائط مبكى لا بديل عنه للضعفاء

03:17 صباحا
قراءة 3 دقائق
فيصل جلول
هل يمكن للضعفاء الرهان على الأمم المتحدة، لدرء المظالم والاعتداءات التي يمكن أن تصيبهم من الظلمة والأقوياء في هذا العالم؟ هل يمكن للأمم المتحدة أن ترد حقوقاً لشعوب انتهكت أراضيها، وتعرضت لخطر وجودي؟ هل يمكن للأمم المتحدة أن تطبق شرعتها في المساواة بين البشر وأعراقهم المختلفة، وفي تحقيق السلام العالمي.. بل هل يمكن لها أن تحفظ السلام النسبي بين الدول، وأن تحول دون تدهوره نحو الأسوأ؟
لا يمكن لأحد أن يجيب عن هذه الأسئلة بالإيجاب، فالمنظمة التي ولدت بعد الحرب العالمية الثانية، لم تحل دون اندلاع أكثر من 60 حرباً منذ تأسيسها، وواكبت في مرات قليلة أطرافاً، قرروا وضع حد لحرب طويلة، كما هي الحال بالنسبة لشمال وجنوب السودان.
لكن الأمم المتحدة لم تحترم قراراتها بشأن فلسطين، وعجزت عن فرض عقوبات على الكيان الذي أنشأته بقرار، والذي يدين لها بشرعيته.
التذكير بهذه الحقائق يفيدنا في فهم رد فعل الرئيس الفلبيني، رودريغو تويتري، الذي انتخب قبل شهور في بلاده، وكان من بين شعارات حملته الانتخابية قتل 100 ألف مجرم وتاجر مخدرات، إن هو تولى السلطة، الأمر الذي أثار حفيظة المنظمة الدولية، وحملها على التحذير من مثل هذه المبالغات، وإن كانت للدعاية الانتخابية، غير أن المرشح الفلبيني، الذي صار رئيساً، أخذ يطبق أقواله حرفياً، وذلك عبر إعطاء أوامر لرجال الشرطة بألّا يترددوا في قتل تاجر المخدرات الذي يقاومهم أثناء اعتقاله، ناهيك عن مطاردة المجرمين وتصفيتهم، هذا فضلاً عن نيته إعادة العمل بأحكام الإعدام في الفلبين.
وفي حين كانت الأمم المتحدة ترد على الرئيس الفلبيني المنتخب بعبارات دبلوماسية، كان يرفع من لهجته المضادة، إذ يقول «إذا أساءت أدبها تجاهي فسأتركها» ولكن إلى أين؟ إلى إنشاء منظمة جديدة، كما يقول، وبديلة «أدعو الصين إلى الانضمام إليها، وكذلك إفريقيا» التي لم تحفظ الأمم المتحدة حقوقها.
الثابت أنه لا يمكن للفلبين أو أية دولة عضو، إهمال أنشطة الأمم المتحدة، وعدم الانخراط فيها، أي الانتماء السلبي أو القسري إليها، وبالتالي التخلص من أعباء هذا الانتماء، فالمنظمة الدولية قادرة على فرض عقوبات على الدول الأعضاء المنتمين إليها برغبة أو من دونها، وقوانينها سارية على الجميع، إن توفرت الشروط. لذا يمكنها فرض العقوبات بسبب انتهاك حقوق الناس، في حال الفلبين، استناداً إلى الدعوة الرسمية من رئيس البلاد، لقتل المجرمين من دون محاكمة.
واللافت أن ما ينطبق على العضوية، حتى لو كانت الدولة المعنية لا ترغب بالاحتفاظ بها، لا ينطبق على الدول غير الأعضاء في المنظمة، وعددها لا يتعدى أصابع اليدين، وأبرزها الفاتيكان وكوسوفو، التي انفصلت عن صربيا وأبخازيا، وأوسيتيا الجنوبية المتحررة من جورجيا، بمساعدة الروس، فضلاً عن جمهورية قبرص التركية، التي انفصلت عن قبرص بدعم تركي، مازال مستمراً حتى اليوم. وهذه الدول لا تنطبق عليها عقوبات أممية تكرس، في العادة للأعضاء فقط، علماً بأن الدول المذكورة تتطلع بإصرار إلى الحصول على اعتراف الأمم المتحدة بها.
بيد أن المنظمة الدولية ليست حائط مبكى وفضاء يتيح التعبير عن الغضب فحسب، وإنما هي أيضاً منبر مفتوح غير مقيد بوقت، أو بسلوك أو بلباس أو بعبارات معينة، لذا نرى ياسر عرفات يتحدث على المنصة الأممية ومسدسه على خصره، في حين يخطب فيدل كاسترو في الستينات لمدة أربع ساعات ونصف كاملة، في حين بادر العقيد معمر القذافي، إلى تمزيق شرعة الأمم المتحدة، وقال إن لا فائدة من هذه المنظمة، وقد تجاوزه خروتشوف بوسيلة الاحتجاج، عندما صفق بحذائه لمندوب الولايات المتحدة وطرق بحذائه بقوة على مقعده، كي يحدث جلبة تمنع مندوب الفلبين من إكمال كلمته، التي كان يقول فيها، إن الإمبراطورية السوفييتية كولونيالية.
وإذا كان البكاء على منبر الأمم المتحدة يقابله استصغار واستخفاف من طرف الدول الكبرى، كما رأينا في رد فعل خروتشوف، أو كما عبر رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، جورج بوش، الذي حمل عليها عام 2002، لأنها لم تصدر قراراً يجيز الحرب الأمريكية على العراق.
وفي السياق نفسه، استصغرها الرئيس الفرنسي الراحل، شارل ديغول، في ستينات القرن الماضي، إذ قال عبارته الشهيرة حولها «لا قيمة لهذه التفاهة». ما تقدم لا يلغي وظائف أساسية مازالت الأمم المتحدة تؤديها بقدر كبير من النجاح، وهنا أتحدث عن القانون الدولي المتصل بالبحار، واتفاقات السلام والهدنات في الحروب، ناهيك عن المساعدات الإنسانية لضحايا اللجوء والكوارث. نعم إنها حائط مبكى لكنه الوحيد المتاح دولياً للضعفاء.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"