الغرب والإسلام ونظرية الوهم

04:54 صباحا
قراءة 4 دقائق
هذه المقالة تحاول أن تقدم وصفاً لفلسفة نفسية وهمية تصورية عن علاقة الغرب بالإسلام، وعن نظرية كثيراً ما يقع الساسة والمفكرون في خطئها . ونظرية الوهم على خلاف نظريات الصواب الإنساني، هي ركن سلبي من أركان المنتظم الفكري في السياسة الدولية، وترتبط عضوياً بوظيفة الجزءين الأيمن والأيسر للدماغ، وما ينتج عنهما من تفاعلات بعضها صائب والآخر واهم وخاطئ .
وقد جرى التعامل بهذه النظرية منذ بواكير نشوء الحضارات الإنسانية وارتقائها ومن ثم سقوطها، إذ لم تخلُ مرحلة تاريخية في حياة الأمم والشعوب من التعامل بهذه النظرية، فكانت وما زالت تتحكم بدرجة واضحة في جل التصورات والمفاهيم السائدة في العلاقات الإنسانية قبل أن تتحول إلى فاعل في السياسة الدولية .
"والوهم هو اختلال في التصور يؤدي إلى خطأ في النتائج"، ولأن إمكانية تفادي هذا الاختلال بحاجة إلى التمييز والقراءة السليمة لأسس ومرتكزات تاريخية مهمة استقرت في الوجدان الإنساني، وبين متطلبات صيرورة آنية تشكلت بناءً على التحولات الإنسانية التي يمكن أن تستقر في المستقبل، وما يمكن أن يشكله هذا الاستقرار من تشوهات ونقائض تنسحب على الماضي إذا ما تم تبني هذا الاختلال وإهمال القراءة السليمة لحركة التاريخ، والاعتماد على سياسات قائمة على نظرية الوهم كفاعل في تقرير السياسات الخارجية، ومن ثم فإن النظم الأكثر رُشداً واستقراراً في عالمنا المعاصر لا بد وأن تكون أكثر هدياً واسترشاداً بالواقعية الفكرية والسياسية، وأقل تعاطياً بهذه النظرية، وأن جل سياساتها ينبغي أن تكون أكثر انسجاماً مع مبدأ العقلانية إزاء العديد من القضايا لا سيما الماسة بجوهر الصراع في العالم، والنظر إلى ثقافات الشعوب وعقائدها وأخلاقياتها ودياناتها ومبادئها نظرة موضوعية دالة على استحضار أسباب ونتائج الصراع بين الأمم، إذ ليس أكثر خطراً على مستقبل العالم من الافتراض والتعاطي بمبدأ الفوقية سواء كانت ثقافية قومية أو دينية، ومحاولة إخضاع البيئات الإنسانية التي استقرت فيها عبر العديد من الحقب التاريخية نماذج محددة من العلاقات الاجتماعية والسياسية إلى نماذج جديدة، حتى وإن كانت تلك النماذج لا ترقى إلى مخالفة التراث بكل أصوله، لكنها ماسة بجوهر التعامل الإنساني التراتبي الذي استقر في الوجدان الإنساني منذ فترات زمنية متعاقبة وطويلة، كما هي حال البعض من النظريات التي تروج للديمقراطية الغربية كنموذج مثالي للعلاقة بين الحاكم والمحكوم في بيئات اجتماعية تتحكم فيها قواعد سلوكية اجتماعية وسياسية ضاربة في العمق التاريخي، الأمر الذي قد لا يرقى إلى مستوى الترحيب بها في العديد من البيئات الاجتماعية .
وفي ضوء ما تقدم لا بد من تأكيد حقيقة جوهرية مفادها أن سمو الفكر خاصة الديني في مرحلة من المراحل التاريخية واستقراره وتجذره في الوجدان الإنساني يجعل منه من القوة بمكان بحيث يصبح الإنسان أداة طيعة في خدمة أهداف ذلك الفكر .
من هنا تأتي أهمية معالجة قضية جوهر الإسلام وتمييزه عن باقي الأديان والإيديولوجيات الوضعية السائدة بوصفه على قدر كبير من الأهمية، وكهاجس يدفع العديد من القوى الدينية والفكرية والسياسية إلى تبنّي نظرية الوهم كواحدة من المصدات بوجه اتساع المساحة الإنسانية للانتماء إلى الإسلام .
لقد جربت الشيوعية وهي تكتسح ما يقرب من نصف سكان المعمورة، وأحدثت هزة فكرية وقبولاً مجتمعياً في العديد من البيئات الإنسانية، ورغم كل تلك القوة المادية والفكرية التي وظفتها الماركسية في مواجهة المسألة الدينية إلا أن تلك القوة أضحت بعد حين ليس خلف المادية التاريخية ولا خلف الجدل الدياليكتيكي، بل خلف الإسلام حتى في الدول الشيوعية ذاتها بعد انهيارها واتضح أن الإسلام هو القوة التي لا يمكن قهرها بالوسائل المادية ولا حتى الفكرية .
ولذلك لا يمكن تصور أن إطراء الإسلام فكراً وعقيدة من قبل بعض الساسة والمفكرين في الغرب على أنه محض افتراء بل إن الافتراء هو ما شوهته الصهيونية العالمية من رؤى وتصورات عن الإسلام، وكان ينبغي للغرب أن يدرك حين خرج منتصراً في معركته مع الشيوعية في أفغانستان أن قوة إيمانية كالإسلام لا يمكن مواجهتها بسهولة مفرطة في التواضع لا بل إن المواجهة قد تتطلب أكلافاً قد لا ينوء بحملها الغرب أو سواه .
إن استعداء فلسفة دينية على طريقة برنارد لويس وصموئيل هنتغنتون اللذين صورا الإسلام بأنه النموذج الذي لا يرقى إليه أحد في العدوانية والوحشية هو جوهر نظرية الوهم التي أوقعت الغرب والولايات المتحدة على حد سواء في أخطاء متكررة، إذ قسم العالم جراء ذلك بين الإرهاب ممثلاً بالإسلام وبين من يحارب الإسلام في الإشارة إلى المقولة سيئة الصيت "من ليس معنا فهو ضدنا" .
ولذلك ينبغي للغرب مراجعة النداءات الفكرية العقلانية لكبار المفكرين كالفريد هاليداي الذي يدعو إلى خرافة المواجهة مع الإسلام والابتعاد بشكل كامل ونهائي عن تبني نظرية الوهم لكي يكون العالم أكثر أمناً واستقراراً .

د . حسين حافظ

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"