أردوغان.. اللعب بالنار

04:10 صباحا
قراءة 3 دقائق
هاشم عبدالعزيز

في تطور خطر، وبهدف إحكام القبضة والنفوذ على ليبيا، وقعت الحكومة التركية مع رئيس حكومة «الوفاق» فايز السراج على اتفاقيتين إحداهما عسكرية والأخرى أمنية، في تدخل سافر يجمع بين الارتهان الذليل، والاستئثار الذي يعيد إلى المشهد ماضي تركيا في المنطقة العربية، استبداداً وعربدة واستعماراً..

الاتفاق المعلن قوبل بردود أفعال ليبية وإقليمية كبيرة، والأبرز كان عبر رفض البرلمان الليبي والجيش الوطني لهذا الاتفاق المذل والمهين لسيادة واستقلال ليبيا، إلى جانب مخاطره على منطقة الجوار.

ما جرى في هذا الشأن ليس نبتة تركية يتيمة؛ بل يدخل في سياق خطة ممنهجة في المنطقة العربية، ولم يعد هناك محل للتساؤل عن الدوافع والأسباب؟

في الجانب الأول من هذه السياسة، هناك التسويق الإعلامي والسياسي والعسكري لمشروع إعادة تركيا العثمانية، وفي هذا السياق يتمركز الجيش التركي ويتغلغل في كل من سوريا والعراق، كما أنه يتدخل في ليبيا متخذاً من سيطرة الميليشيات التي تجمع كيانات الجماعات الإرهابية على العاصمة الليبية، والأمر لا يقتصر على دعم الأدوات والأتباع فقط؛ بل وتسريع قاطرة النهب للثروات الليبية بأقصى قدر من الإسراف والابتزاز.

هنا تبدو أطماع تركيا أردوغان المفتوحة بشهية مفرطة، كما لو أنها تستنزف وتستغل ما هو متاح أمامها مما ترتب في هذه المنطقة من تداعيات؛ جرّاء انزلاقها إلى دوامة الاضطراب والحروب وعربدة الإرهاب، ومن هذه النقطة تكون تركيا القديمة استعمارياً بجحافل قواتها، قد عادت أو تحاول أن تستعيد مجدها الاستعماري؛ من خلال أدواتها الخبيثة المتمثلة في جماعات الإرهاب.

أما في الجانب الثاني من السياسة العدوانية التركية في المنطقة، فتعود إلى محاولة هروب من مواجهة الاستحقاقات الداخلية، والتي تبدأ بالوضع الاقتصادي الذي بات مفتوحاً على التدهور لا على سعر العملة فقط؛ بل وعلى حياة الناس المعيشية، ومما هو دال على هذه الحقيقة ما جرى من محاولات إنقاذ لأكثر من مرة لحالة الانهيار الاقتصادي الذي ترافق مع تدهور الحريات وحقوق الإنسان، والأمر الملفت للنظر هنا أن تركيا هي الدولة الأولى والرائدة في موضوع الفساد الذي لن تقوم على انتشاره قائمة للاقتصاد الوطني؛ لأنه بقدر ما تندفع تركيا لنهب ثروات ليبيا على سبيل المثال، هناك اندفاع محموم للمسؤولين في حزب العدالة والتنمية، والحكومة للاستئثار بالمال العام، وبات هذا الوضع محسوباً ليس على أفراد نافذين يستغلون مناصبهم؛ بل وعلى أسر هؤلاء النافذين والحكام.

وإضافة إلى ذلك يمكننا متابعة حالة الانقسام التي يعانيها حزب العدالة والتنمية ويواجهها رجب أردوغان، واتساع المعارضة للسياسة التي أدخلت البلد بنفق مظلم يحاول أردوغان الهروب بأزماته الداخلية ومع أكثر من دولة في العالم، إلى الأمام.

إن المشروعات التركية بتفجير الأوضاع في أي مكان تحسب من قبل أردوغان وأتباعه أنها الخيار الأمثل؛ بل وما تبقى، وهو على أي حال اللعب بالنار، فليست تركيا الدولة الوحيدة القائمة في عالمنا، وليس بمقدورها أن تقود إلى ترتيب وإعادة ترتيب الأوضاع في هذه المنطقة وفي مكان آخر.

ويكفي أن يشار هنا إلى خريطة العلاقة التركية الإقليمية والدولية التي انحسرت وضاقت؛ بسبب رهان تركيا على جماعات الإرهاب.

نأتي الآن إلى الجانب الثالث من السياسة التركية المندفعة بالانتقام من مصر التي وضعت نهاية حاسمة لأحلام أردوغان، المتمثلة في إقامة دولة «الإخوان»، والمسألة هنا ليست قاصرة على وضع مصر أمناً واستقراراً؛ بل إلى ما يمكن القول إنه محور الأمن العربي، الذي برغم كل السلبيات والأوضاع العربية المتردية، تمكّن من مواجهة الطموحات والأطماع التركية، الدائرة على المنطقة العربية بلداناً وجماعات وشعوباً وأفراداً.

والمؤكد أن السياسة العدوانية الانتقامية التركية ضد العالم العربي عامة ومصر خاصة سيكون ثمنها باهظاً، وليس ببعيد أن تقود سياسة اللعب بالنار الداخل التركي إلى الانفجار.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"