الليلة والبارحة

06:07 صباحا
قراءة دقيقتين
يضطر الكاتب العربي أن يعود بين وقت وآخر إلى التاريخ، بحثاً عن جذور بعض الظواهر السياسية أو الاجتماعية، أو استحضار أمثلة عن وقائع تتكرر في حياتنا. وما يحدث الآن من افتعال قضايا سجالية لحجب الواقع حدث مراراً، وحاول البعض من محترفي صرف الانتباه في مطلع القرن الماضي إشغال الرأي العام بأمور أقرب إلى الطقوس من الفقه، وقد حدث على التوالي إشغال الرأي العام، بقضية شخصية وخاصة للشيخ علي يوسف عام 1904 رغم أن العالم العربي كان مسجى من أجل التقسيم وتحويله إلى أسلاب، ثم أثيرت قضية أخرى بعد صدور كتاب د. علي عبدالرازق «الإسلام وأصول الحكم»، وتكرر المشهد مع د. طه حسين ولو عدنا إلى ما هو أبعد نجد أن هناك حكايات نسجت وانشغل بها الناس لبعض الوقت كي ينصرف وعيهم عن اللحظة الحرجة، والآن رغم كل ما يعج به واقعنا العربي من آلام واحتراب ونزاعات، هناك أخصائيون في هذا الفقه الملفق، يبحثون عن موضوعات هامشية كي يعبثوا بقائمة الأولويات، بحيث يقيمون الدنيا على فيلم سينمائي أو رواية أو مسلسل تلفزيوني، رغم أن هذه الأنشطة لها قضاتها وهم النقاد، ولها معاييرها أيضاً، لأنها ليست نقلاً فوتوغرافياً للواقع!
إنها عودة غير ظافرة على الإطلاق إلى ذلك الحوار البيزنطي الشهير واستغراق في سفسطة لا نهاية لها.
ويتحمل الإعلام الجاد أو ما تبقى منه على قيد الحياة بعد أن تحولت الميديا إلى وظيفة سياسية وأيديولوجية العبء الأكبر من هذا الخلط المتعمد بين الأساسي والثانوي والآجل والعاجل!
وإذا كان هناك في المعجم الطبي ما يسمى الطوارئ لعلاج الحالات التي لا تقبل التأجيل، فإن الثقافة أيضاً لها طوارئها ولا يمكن لها أن تفاضل بين عملية إنقاذ من حادث سير وبين عملية تجميل!
حبذا لو يكف مهربو القضايا المصيرية العاجلة عن إطلاق سحابات من الدخان والغبار لحجب المشاهد الدامية!ّ

خيري منصور

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"