التنافس الإفريقي على إفريقيا

02:53 صباحا
قراءة 3 دقائق
الحسين الزاوي

التحدي الأكبر يظل مرتبطاً بمدى قدرة دول شمال القارة على تنسيق جهودها من أجل التصدي للانتشار الواسع للنفوذ «الإسرائيلي» في إفريقيا.

بموازاة التنافس الدولي على النفوذ في إفريقيا بين القوى الكبرى، لاسيما بين الولايات المتحدة الأمريكية من جهة والصين وروسيا من جهة أخرى، هناك أيضاً اهتمام متصاعد اقتصادي وجيوسياسي بين الدول الإفريقية نفسها. وتختلف أجندات الدول الإفريقية المحورية المرتبطة بالداخل الإفريقي من حيث أهدافها الجيواستراتيجية استناداً إلى العلاقات الإقليمية والدولية لكل دولة؛ إذ نجد دولاً تحرص على تنسيق أجندتها الإفريقية مع حلفائها خارج القارة، بينما تسعى دول أخرى إلى تنفيذ سياسات لا تتوافق كثيراً مع الأجندات الدولية، ويمكننا التساؤل في هذه المرحلة عن تأثيرات الأزمة الصحية العالمية على كل هذه الأجندات المتعارضة في مرحلة ما بعد الجائحة.

وتمثل السياسة الخارجية المصرية في هذا السياق نموذجاً لافتاً للتحوّل الذي حدث خلال السنوات الأخيرة في سياسات بعض الدول الإفريقية بشأن الملفات الكبرى للقارة؛ إذ عادت الدبلوماسية المصرية إلى تطوير العلاقات الاستراتيجية مع إفريقيا التي جرى تدشينها في عهد الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، وبخاصة بعد الفترة التي تلت ثورة يونيو 2013؛ حيث حرصت القيادة المصرية الحالية على تعزيز علاقاتها مع مختلف الدول الإفريقية. وقد استثمرت مصر رئاستها للقمة الإفريقية خلال سنة 2019 من أجل إعادة وضع القضايا الإفريقية في أعلى سلم أولويات سياستها الخارجية.

وعملت المملكة المغربية أيضا على إعادة تفعيل وتنشيط روابطها مع القارة السمراء، كما حرصت الرباط خلال السنوات الماضية على إعادة بناء علاقاتها مع دول إفريقيا، واستطاعت أن تعود بقوة إلى كل المؤسسات الإفريقية؛ ومن بينها الاتحاد الإفريقي، وتضاعفت خلال هذه السنوات الاستثمارات المغربية في إفريقيا، وبلغت بين سنتي 2003 و2013 نسبة 85 في المئة من مجموع الاستثمارات الخارجية المغربية، بحسب إحصاءات موثقة. كما أن الرباط قامت مؤخراً بتوثيق علاقاتها السياسية والاقتصادية مع أكثر من 29 بلداً من خلال إبرام أكثر من 1000 اتفاقية شراكة مع مختلف الدول الإفريقية.

وواصلت في الآن نفسه جنوب إفريقيا ونيجيريا سياستهما الهادفة إلى التأثير على دول القارة؛ إذ كانت نيجيريا قد ركزت بشكل أساسي على علاقاتها الوثيقة مع جوارها الإقليمي، لاسيما في وسط وغرب إفريقيا من أجل المحافظة على مصالحها الاقتصادية؛ فإن جنوب إفريقيا تسعى إلى الاضطلاع بدور جيوسياسي واقتصادي أكبر، سواء في سياق علاقاتها المباشرة مع دول القارة أو انطلاقاً من الدور الذي تقوم به داخل مجموعة البريكس، وبالتالي فإنه لم يكن من قبيل الصدفة أن تظل جنوب إفريقيا تحتل إلى غاية 2016، المرتبة الأولى من حيث نسبة الاستثمارات الإفريقية داخل القارة.

أما بالنسبة لعلاقات الجزائر مع إفريقيا فقد شهدت موجات صعود وهبوط ارتبطت في قسم كبير منها بالأوضاع الداخلية للبلاد؛ لكنها ظلت تتسم بنوع من الاستقرار النسبي نتيجة للصلات التاريخية التي تربط الجزائر بالعديد من الدول الإفريقية الفاعلة مثل جنوب إفريقيا ونيجيريا، وقد حاولت الجزائر أن تعوِّض ضعف استثماراتها في القارة السمراء من خلال تقديم مساعدات مالية مباشرة لبعض الدول ومن خلال أيضاً مسح ديون دول أخرى، كما ظلت الدبلوماسية الجزائرية تحتفظ بدورها الفاعل داخل مؤسسات الاتحاد الإفريقي.

ونستطيع القول إنه وعلى الرغم من هذا التطور الهائل في العلاقات بين دول القارة لاسيما بين شمال إفريقيا والدول الإفريقية جنوب الصحراء، والذي ما يزال يشهد صعوداً ملفتاً للنظر لم يتأثر إلا قليلاً نتيجة غياب ليبيا عن هذا المشهد الإفريقي بعد انهيار نظام القذافي، فإن التحدي الأكبر يظل مرتبطاً بمدى قدرة دول شمال القارة على تنسيق جهودها من أجل التصدي للانتشار الواسع للنفوذ «الإسرائيلي» في إفريقيا الذي من شأنه أن يهدد أسس الأمن العربي المشترك مشرقاً ومغرباً.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

أستاذ الفلسفة في جامعة وهران الجزائرية، باحث ومترجم ومهتم بالشأن السياسي، له العديد من الأبحاث المنشورة في المجلات والدوريات الفكرية، ويمتلك مؤلفات شخصية فضلا عن مساهمته في تأليف العديد من الكتب الجماعية الصادرة في الجزائر ومصر ولبنان

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"