نهاية لا تستحق الاحتفال

05:32 صباحا
قراءة 4 دقائق
فيصل جلول
احترم الرئيس بارك أوباما الأجندة الأفغانية التي رسمها لقوات بلاده، وعليه لن يبقى بعد نهاية هذا العام في افغانستان أكثر من 12500 جندي أطلسي بينهم 10500 أمريكي، وستكون هذه القوة لوجستية وعملانية في نفس الوقت يحق لها ليس فقط ملاحقة عناصر القاعدة كما نص الاتفاق مع حكومة حامد قرضاي وإنما أيضاً ملاحقة عناصر طالبان وشن عمليات عسكرية اخرى تراها ضرورية . وسيخرج في نهاية العام 2016 آخر جندي اطلسي من الأراضي الافغانية .
وإذا كان الرقم 13 دليل شؤم في البلدان الغربية فإنه ساطع في شؤمه بالنسبة للحرب الافغانية التي تعتبر اول حرب رسمية يخوضها الأطلسي والحرب الأمريكية الأطول في التاريخ . وفي الحالتين يبدو الشؤم سيد الموقف فبدلاً من أن يكون الانسحاب العسكري فرصة للاحتفال ورفع شارة النصر نراه يمر مرور الكرام وتتجنب الحديث المستفيض عنه وسائل الإعلام الكبرى في الولايات المتحدة والعواصم الأوروبية، وهي في الواقع معذورة، فما الذي يمكن ان تقوله عن هذه الحرب التي كلفت أكثر من ألف مليار دولار وسقط بنتيجتها أكثر من 3500 جندي امريكي وآلاف الجرحى والمعوقين، فضلاً عن عشرات الآلاف من الأفغان المدنيين والعسكريين . ويذكر أن الجيش الافغاني خسر 5 آلاف قتيل وآلاف الجرحى العام الماضي وحده .
ما الذي يمكن قوله عن حرب انطلقت بدعم دولي شامل رداً على هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 من أجل القضاء على منظمة القاعدة وتدمير نظام طالبان واستبداله ب "نظام ديمقراطي"، فإذا بالقاعدة مازالت تنشط على الرغم من اغتيال زعيمها أسامة بن لادن، بل صارت تحتفظ بفروع لا مركزية لها في اكثر من منطقة، وإذا كان صحيحاً أن نظام طالبان قد انهار منذ اللحظة الأولى لسقوط كابول فالصحيح أيضاً أن حركة طالبان تستقر اليوم على مداخل كابول وتتمتع بهامش كبير للمناورة، وتنظم ساعة تشاء عمليات تفجير في كل مكان تختاره وذلك إلى حد أن القيادة العسكرية الأمريكية نظمت سراً ومن دون الاعلان عن موعد مسبق احتفال الاعلان عن الانسحاب .
ما من شك في أن أحداً لا يحب حديث الهزائم وبخاصة الأمريكيون وهم محقون في ذلك لكونهم القوة الأهم والأعظم في هذا العالم، لكن الهزيمة في عرفهم ليست مناسبة للطم الوجوه كما هي الحال لدى الأمم الضعيفة والتابعة وتحتاج إلى شجاعة فائقة لتحمل نتائجها واستخلاص الدروس والعبر من مجرياتها وهذا يتم عادة في الغرف المغلقة وليس أمام الرأي العام الذي لا يبدي اهتماماً كبيراً بهذا الحدث فبالكاد نلاحظ مظاهر الفرح لعودة الجنود إلى بيوتهم .
ومع ذلك لا تخلو من الدلالة تعليقات كبريات الصحف الأمريكية على هذا الحدث واستنتاجاتها السريعة حوله ومن بينها "نيوريورك تايمز" التي بررت في احدى افتتاحياتها الفشل الأمريكي في اقامة نظام افغاني ديمقراطي وقابل للحياة بالقول: "إن أية مساعدة خارجية مهما بلغ حجمها وتعاظمت اهميتها لا يمكنها ان تغير الشيء الكثير في بلد لا يريد أهله أو لايستطيعون تحمل مسؤولية التغيير المرتجى" .
يعبر كلام الصحيفة عن جوهر ما وقع في هذا البلد خلال الاعوام ال 13 الأخيرة، فالشعب الأفغاني وإن كان بأغلبيته لا يحب القاعدة ولايعشق طالبان، فهو لا يحب المحتل، وهذا معروف بقدر كاف لدى مراكز الابحاث والنخب الأمريكية، ففي هذا البلد هزم البريطانيون وكانت الهزيمة مؤشراً على انهيار امبرطوريتهم . وفي هذا البلد هزم الروس وكانت الهزيمة سبباً من اسباب انهيار النظام السوفيتي وثمة من يرى اليوم أن الفشل الأمريكي مؤشر على تراجع القوة الأوحد في العالم بل اعلان نيتها الانسحاب من الشرق الاوسط .
ويتعارض كلام "نيويورك تايمز" مع كلام المفسرين الكلاسيكيين الذين يعتبرون ان الجيوش الاجنبية فشلت في افغانستان بسبب تضاريس هذا البلد الجغرافية الصعبة وجباله ومرتفعاته العصية على الاختراق .أو بسبب تكوينه الاجتماعي القبلي والاثني الذي يقوم على التضامن وتحمل التضحيات في مواجهة عدو اجنبي، أو بسبب البنية الريفية المتخلفة حيث تعيش الاكثرية الساحقة من السكان خارج المدن، أو بسبب التشدد الديني والمدارس السلفية التي تربي الناشئة على رفض الأجنبي وعقائده، أو بسبب السياسة المزدوجة التي اعتمدتها باكستان حيث دعمت طالبان من دون أن تتخلى عن تحالفها مع الأمريكان . كل هذه التفسيرات تبدو مهمة ولكنها جزئية ذلك ان الجوهري في الفشل الامريكي في افغانستان هو قوة الإرادة الافغانية في رفض الاحتلال وكل مفاعيله . والمؤسف أن واشنطن لم تتعظ من الدرس الفيتنامي قبل احتلال كابول، فهناك أيضاً ثمة من فسر الفشل الامريكي تفسيرًا جغرافياً بالحديث عن الغابات والمستنقعات والانفاق تحت الأرض، ونسي أو تناسى أن الارادة الفيتنامية هي الأصل وهي التي طوعت الطبيعة والتقنية وصنعت الحدث . لكن أيضاً لا بد من التذكير بسبب اضافي للفشل الامريكي في افغانستان ويكمن في غطرسة المحافظين الجدد الذين قرروا الحرب في حينه معتقدين ببلاهة مذهة ان سقوط كابول السهل يجعل الشرق الاوسط برمته لقمة سائغة في أيديهم، فاجتاحوا العراق ليكتشفوا في وقت قياسي انهم ارتكبوا خطأ تاريخياً يتعذر اصلاحه بل سيكلف بلادهم موقعها الحاسم في الشرق الاوسط .
بعد مضي 13 عاماً على احتلال افغانستان والخروج من كابول، لا شيء يدعو لرفع رايات النصر في الولايات المتحدة، ولا في أروقة الحلف الأطلسي . أما في العاصمة الافغانية فقد بدأ فصل جديد في المأساة الافغانية قد يكون تكراراً هزلياً لما جرى بعد انسحاب الروس . وإذا كان لا بد من درس يتوجب استخلاصه من الفشل الأمريكي فهو أن الحرب ليست دائماً استمراراً للسياسة بوسائل أخرى كما قال كلاوزفيتز وإنما في أحيان كثيرة قد تكون استمراراً للغباء أو لفائض القوة الذي يعمي البصر والبصيرة .
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"