انتخابات رئاسية قد تغير وجه فرنسا

02:22 صباحا
قراءة 4 دقائق
تبدو بورصة الانتخابات الرئاسية الفرنسية شديدة التقلب إلى حد يصعب معه رسم تصور ثابت لما سيكون عليه مستقبل فرنسا في ظل الرئيس المقبل. إن نظرة خاطفة على استطلاعات الرأي تعكس صورة تقريبية لهذا الإنطباع. فقد حقق مرشح اليسار الراديكالي جان لوك ميلونشون تقدماً ب 10 نقاط خلال شهر واحد ليحتل المرتبة الثالثة في لائحة المتسابقين ال 11 نحو قصر الاليزيه، دافعاً بذلك مرشح الديغوليين واليمين المحافظ فرانسوا فيون إلى المرتبة الرابعة. في هذا الوقت مازالت مارين لوبن مرشحة اليمين المتطرف تحتل المرتبة الأولى في استطلاعات الرأي بنسبة 24 بالمئة من الأصوات في الدورة الأولى.
ويعكس تصدرها طابع هذه الانتخابات ذلك أن قسماً وافراً من الناخبين الفرنسيين لا يرى غضاضة في أن تقود البلاد سيدة شبيهة بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب (بدون ثروته الشخصية). فهي تريد الانسحاب من الاتحاد الأوروبي والعودة إلى فرنسا القديمة، وتوحي لناخبيها بأن الماضي الكولونيالي أفضل من الحاضر الليبرالي، وأن الفرنك القديم أفضل من اليورو، وأن الدين أفضل من العلمانية، والعرق الأبيض أفضل من العرق الأسود الخ.. وذلك في بلد يحتفظ فيه أكثر من ربع الفرنسيين بجد أجنبي من خارج فرنسا، وفي بلد يعتبر 75 بالمئة من أبنائه غير متدينين.

ويتأكد الانطباع نفسه مع ماكرون الذي يأتي في المرتبة الثانية بعد لوبن في استطلاعات الرأي، فهو حديث العهد بالسياسة، ولا تجربة سابقة له تتعدى فترة الرئيس الحالي فرانسوا هولاند، إذ كان من قبل مصرفياً ثم عمل مع الرئيس الحالي في قصر الإليزيه، ومن بعد شغل منصب وزير الاقتصاد لمدة سنتين إلى أن استقال وترشح للرئاسة. اللافت في هذا الصدد أنه أسس حزباً على جناح السرعة «فرنسا إلى الأمام» ليصل عدد المنتسبين إليه أكثر من 200 ألف عضو خلال أقل من 6 أشهر وليتمكن من جمع آلاف الأنصار في ندواته الانتخابية التي يشدد فيها على الجمع بين اليمين واليسار فلا هو يميني بنظر اليساريين ولا هو يساري بنظر اليمينيين. وما زاد في «الطين بلة» أن ماكرون تلقى دعماً من ممثل الوسط فرانسوا بايرو الذي أقلع عن ترشيح نفسه داعياً محازبيه إلى تأييد وزير الاقتصاد السابق الذي يبدو كشخصية سياسية «متنوعة» إن جاز القول تجمع حولها مؤيدين من كل التيارات دون الاعتراف بأي منها.

إن حسن صناعة ماكرون التعبيرية تغري الجميع، فهو يستخدم لغة سياسة عائمة تركز على إخفاقات التيارات السياسية المختلفة في الحكم، وبالتالي القول إن ما سيحققه لو فاز في الانتخابات سيكون شيئاً آخر، دون أن يتمكن أحد حتى الآن من رسم ملامح هذا «الشيء الآخر» بوضوح،ذلك أن برنامجه يشبه خطابه.
إن الصفة المتقلبة للانتخابات الرئاسية في المراتب الثلاث الأولى في استطلاعات الرأي تخلف ثباتاً إلى حد بعيد في المراتب الثماني التالية فالسيد فرانسوا فيون الذي يحتل المرتبة الرابعة يبدو أقل حظاً في اجتياز الدور الأول وذلك بسبب متاعبه القضائية وانحسار الحماس الديغولي من حوله و قد يحتاج إلى معجزة حتى يخرج منتصراً في المرحلة الأولى وإن فعل فسيكون ضامناً إلى حد كبير الفوز بالرئاسة لأن مؤسسات الاستطلاع تجمع حتى الآن على أن تفوز مارين لوبن بالنسبة الأكبر من الأصوات في الدور الأولى وتجمع أيضاً على أن اليمين واليسار والوسط سيتحالف ضدها في الدورة الثانية لإسقاطها كائناً ما كانت هوية منافسها وإن كان فيون كما أشرنا بعد المعجزة، فهذا يعني أن تغييراً سيطرأ على الصعيدين الداخلي والخارجي في فرنسا دون أن يمس أسس السياسية الفرنسية الراهنة. وللمقارنة السريعة نشير إلى أن ميلونشون يريد تغيير الجمهورية الخامسة وتأسيس الجمهورية السادسة في حين سيكتفي فيون ببعض الإصلاحات كما يوحي برنامجه.
بالمقابل يبدو الثبات مؤكداً في برامج المرشحين السبعة الباقين فالسيد بنوا هامون مرشح الحزب الاشتراكي الفرنسي بات بعيداً جداً عن اجتياز الدورة الأولى للاقتراع وما برحت أسهمه تتراجع أسبوعاً بعد أسبوع بسبب انقسام الحزب من حوله ولأن ميلونشون ما لبث يجمع حول برنامجه أصوات اليساريين من كل حدب وصوب.
والثبات لدى هامون نجده في عناصر برنامجه التي تركز على الابتعاد عن القسم الأكبر من سياسة هولاند خلال السنوات الخمس الماضية والعودة إلى ما يشبه الخليط من سياسات الاشتراكي الراحل ميشال روكار ورئيس الوزراء الأسبق ليونيل جوسبان.
أما برامج المرشحين الستة الباقين الذين لا يتجاوزون الخمسة بالمئة من أصوات الناخبين فهي تنطوي أيضاً على ثبات مقيم، نجده بوضوح في برنامج مرشحة النضال العمالي التروتسكية التي تؤكد أنها إن فازت فإنها ستفرض ديكتاتورية البروليتاريا في فرنسا أي ستعيد البلاد إلى ما يشبه النظام السوفييتي السابق.
بالمقابل نرى المرشح اليساري المتطرف بواتو يرفض التقاط صورة تذكارية مع بقية المرشحين أثناء مناظرة تلفزيونية ويقول إن لا شيء يربطه فيهم وإن ما يهمه هو الطبقة العاملة ورفع مطالبها وليس الفوز برئاسة الجمهورية. ومثله ما تبقى من المرشحين الذين يمثلون التيارات الصغيرة المتشددة التي تحضر لرفع الصوت والمطالب اكثر من أي شيء آخر.ولعل الخوف الأكبر من التقلب هو أن يكرر الناخبون تجربة الولايات المتحدة وفي هذه الحالة قد يتغير وجه فرنسا وليس فقط رئيسها.

فيصل جلول
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"