الرياضيات لكل دماغ

03:31 صباحا
قراءة دقيقتين
عبد اللطيف الزبيدي

هل تساعدنا أدمغتنا على فهم أدمغتنا؟ هذا السؤال المفخخ بالمفارقات والتلاعب بالألفاظ، ضروريّ لطرح السؤال الجوهريّ في العالم العربيّ: كيف نستطيع اللحاق بالبلدان المتقدّمة في الرياضيات؟ خلافاً لما قد يتبادر إلى الذهن، ليس للقضيّة شأن بمدى التقدّم الاقتصاديّ والثراء في الدول.
الهند من أكبر عواصم الرياضيات عالميّاً، وليست الأثرى، وسنغافورة هي الرائدة الأولى في العالم في تدريس الرياضيّات، ومنهجها، الذي دعا القلم من قبل إلى تطبيقه فوراً في المدارس العربية، تحشد فرنسا والولايات المتحدة كل طاقاتهما لتعميمه في التعليم. هذا المنهج معجزة في علم التربية لجعل مادّة الرياضيات في متناول أيّ دماغ غضّ.
لكن، ما هي مشكلة الإنسان مع الرياضيّات؟ لماذا تجد أغلبيّة الآدميّين صعوبة في تلقّيها والتألق فيها؟ أليس غريباً أن الرياضيات، التي هي اللغة التي كُتب بها الكون كلّه، وعليها قامت الفيزياء التي هي علّة وجود المادّة الكونيّة جميعاً، ومع ذلك يُعدّ المتفوّقون فيها ندرة نادرة، قياساً على أوائل الميادين الأخرى؟ يبدو الأمر عجيباً، ولكنه يقودنا إلى المفتاح الذي ورد في مقال طريف لمجلة «لوبوان» الفرنسيّة (12 فبراير)، تحت عنوان: «عدم استساغة الرياضيّات ليس قدَراً»، والمبحث «التحريض» على الإسراع إلى تبنّي منهج سنغافورة.
المشكلة تكمن في تكوين الدماغ البشريّ في حدّ ذاته. ساكن الجمجمة هذا غير بعيد في طبيعته والمرجعيّة القديمة لأدائه، من تلك العبارة المأثورة عن قدماء العلماء اللغويين العرب: «خطأ شائع خير من صحيح مُهمل». دماغنا يستوعب المحسوس الملموس بسرعة، ولا يتقبل المجرّد الذي ليس ماديّاً إلاّ بشق الأنفس. صحيح أن الإنسان يجلس على قمّة الثدييات العليا، ولكنه بالرغم من حضاراته وعلومه ومعارفه، لا يزال على صلة بعالم غابر، ولو كان ناطقاً وضاحكاً ومبدعاً يتعلم ويراكم التجارب والخبرات ويحس بالزمن. في عالم الحيوان، الملموس الماديّ هو المُدرَك: «هذا آكله وذاك يأكلني». إلى هذه الجذور البعيدة يعود سرّ سهولة تلقّي اللوحات التشكيلية الواقعية، وصعوبة استيعاب الفنون التجريدية، وفهم الشعر الكلاسيكيّ الواضح، و«عصلجة» الإدراك وعسر التجاوب مع الشعر الحديث والنصوص الغامضة. لهذا يسهل على الدماغ قبول الخطأ الذي يكون فهمه يسيراً، مثل إنشاء قرارات الجامعة العربية، ويتعسر تلقي معادلات الرياضيات بينما هي صواب صحيح. منهج سنغافورة يحوّل تجريدية الرياضيات إلى مادة واقعية ملموسة محسوسة، فيقتنصها ضرغام الدماغ فريسة سهلة.
لزوم ما يلزم: النتيجة التعادليّة: توفيق الحكيم دعا إلى الطعام لكل فم، فلنضف إليه الرياضيات لكل دماغ.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"